للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومِن أعظم أنواع بِرِّ الحَجِّ كثرةُ ذِكْرِ اللهِ تعالى فيه، وقد أَمَرَ الله تعالى بكثرة ذِكْره في إِقامة مناسِكِ الحَجِّ مرَّةً بعدَ أخرى. وقد رُوي أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل. "أيُّ الحاج أفضَلُ؟ قال: أكثَرُهم لله ذكرًا". خرَّجه الإِمام أحمد (١). ورُوىِ مرسلًا من وجوهٍ متعددةٍ، وخصوصًا كثرةُ الذِّكْر في حال الإِحرام بالتلبية والتكبير. وفي الترمذي (٢) وغيرِه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:"أفضَلُ الحَجِّ العَجُّ والثَّجُّ". وفي حديث جُبَيْر بن مُطْعِمٍ المرفوع: "عجوا التكبير عجًّا وثجوا الإِبل ثجًّا". فالعَجُّ: رفْعُ الصَّوْت بالتكبير والتلبية، والثَّجُّ: إِراقَةُ دِماء الهَدَايا والنُّسُك. والهَدْي مِن أفضَلِ الأعمال، قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} (٣)، الآية. وقال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (٤). وأهْدَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حجّةِ الوَدَاع مائةَ بُدْنَةٍ. وكان يبعَثُ بالهَدْي إِلى منىً، فتُنْحَرُ عنه وهو مقيمٌ بالمدينة.

الأمر الثاني (٥): مما يكمُلُ به بِرُّ الحجِّ اجتنابُ أفعالِ الإِثم فيه؛ من الرَّفَثِ والفُسُوق والمعاصي، قال الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (٦).

وفي الحديث الصحيح (٧): "مَنْ حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رَجَعَ كيومِ وَلَدَتْهُ أُمُّه". وقد سبق حديثُ "مَن لم يكُنْ لَهُ وَرَعٌ يحجُزُه عن معاصي الله فليس لله حَاجَةٌ في حَجِّه". فما تزوَّدَ حاجٌّ ولا غيرُه أفضَلَ من زادِ التَّقْوَى، ولا دُعِي للحاجّ عند تودِيعه بأفضَلَ مِن التقوى (٨).


(١) جزء من حديث في مسند أحمد ٣/ ٤٣٨ عن معاذ، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ١٠/ ٧٤ وقال: "رواه أحمد والطبراني، وفيه زبان بن فائد، وهو ضعيف، وقد وثق، وكذلك ابن لهيعة، وبقية رجال أحمد ثقات". وأخرجه المنذري في "الترغيب" ٢/ ٢٦٧ مختصرًا و ٢/ ٤٠٠ بتمامه.
(٢) رقم (٨٢٧) في الحج: باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو حديث حسن. ورواه في التفسير رقم (٣٠٠١) باب: ومن سورة آل عمران، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وانظر تخريجه في "جامع الأصول" ٣/ ٤٣٩ و ٩/ ٤٦٧.
(٣) سورة الحج الآية ٣٦.
(٤) سورة الحج الآية ٣٢.
(٥) أي الأمر الثاني ليكون الحج مبرورًا، وذكر الأول قبل بضع صفحات، وهو: الإِتيان فيه، أي في الحج، بأعمال البر.
(٦) سورة البقرة الآية ١٩٧.
(٧) مضى ذكره وتخريجه.
(٨) أخرج الترمذي حديثين صحيحين في هذا المعنى، الأول رقم (٣٤٤٠) في الدعوات، باب رقم =

<<  <   >  >>