للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رُوي أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وَدَّعَ غلامًا للحج، فقال له: "زوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى". قال بعضُ السَّلف لمن ودَّعَه: اتقِ الله، فمن اتَّقَى اللهَ فلا وَحْشَةَ عليه. وقال آخر لمن وَدَّعَه للحَجِّ: أوصِيكَ بما وَصَّى به النبي - صلى الله عليه وسلم - مُعاذًا حين ودَّعَه: "اتَّقِ اللهَ حيثما كنْتَ، وأَتْبِع السَّيئةَ الحَسَنَةَ تمْحُها، وخَالِق النَّاسِ بخُلُقٍ حَسَنٍ" (١). وهذه وصيَّةٌ جامعةٌ لخِصال البِرِّ كُلِّها (٢). ولأبي الدَّرداء رضي الله عنه (٣):

يُريدُ المرءُ أن يُوتَى مُنَاهُ … ويأْبَى اللهُ إِلَّا ما أرادَا

يقولُ المرءُ فائدتي ومالِي … وتَقْوَى الله أفضَلُ ما اسْتَفادَا

ومن أعظم ما يجبُ على الحاجّ اتقاؤه مِن الحرام: أن يُطيِّبَ نفقَتَه في الحَجِّ، وأن لا يجعَلَها مِن كَسبٍ حرامٍ. وقد خرَّج الطبراني (٤) وغيرُه مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "إِذا خرَج الرجُلُ حاجًّا بنَفَقةٍ طيِّبةٍ، ووضَعَ رِجْلَه في الغَرْز، فنادى: لَبَّيْكَ اللهم لبَّيك! ناداهُ منادٍ من السَّماء: لبَّيكَ وَسَعْدَيْك، زادُكَ حَلالٌ، وراحِلتُك حلالٌ، وحَجُّكَ مَبْرورٌ غَيْرُ مأْزُورٍ. وإِذا خَرَجَ الرَّجُل بالنَّفقَة الخبيثةِ فوضَعَ


= (٤٦)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "جاء رجل إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إِني أريد السفر، فزوِّدني، قال: زوَّدك الله التقوى، قال: زدني. قال: وغفر ذنبك. قال: زدني، بأبي أنت وأمي. قال: ويسَّر لك الخيرِ حيثما كنت". والثاني رقم (٣٤٤١) في الدعوات: باب رقم (٤٧) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إِني أريد السفر فأوصني. قال: عليك بتقوى الله والتكبير على كل شَرَفٍ. فلمَّا أن وَلَّى الرجل، قال: اللهم اطْوِ له البْعْدَ، وهَوِّن عليه السَّفَر".
(١) أخرجه الترمذي رقم (١٩٨٨) في البر: باب ما جاء في معاشرة الناس، وهو حديث حسن كما قال الترمذي، وقال: وفي الباب عن أبي هريرة. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم": وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوصى بهذه الوصية معاذًا وأبا ذر من وجوه. وانظر "جامع الأصول" ١١/ ٦٩٤.
(٢) في "جامع العلوم والحكم" للمؤلف: وهي وصية عظيمة جامعة لحقوق الله وحقوق عباده.
(٣) قيل لأبي الدرداء: ما لك لا تشعر، فإِنه ليس رجل له بيت في الأنصار إِلا وقد قال شعرًا؟ قال: وأنا قد قلت فاسمعوا، وذكر البيتين. وقد وردا في الحلية ١/ ٢٢٥، وصفة الصفوة ١/ ٦٣٧، والاستيعاب ص ١٦٤٨، ومختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور ٢٠/ ٣٩.
(٤) أخرجه المنذري في "الترغيب" ٢/ ١٨٠ وقال: رواه الطبراني في الأوسط. ورواه الأصبهاني من حديث أسلم. مولى عمر بن الخطاب، مرسلًا مختصرًا. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ١٠/ ٢٩٢، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف". والغَرْز: ركاب من جلد.

<<  <   >  >>