للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رِجْلَه في الغَرْزِ، فنادَى: لبَّيك اللهم لبَّيك! ناداه منادٍ مِن السَّماء: لا لبَّيكَ ولا سَعْدَيْك؛ زادُكَ حرامٌ، ونفقتُكَ حَرَامٌ، وحَجُّك غيرُ مبرورٍ".

مات رجلٌ في طريقِ مكَّةَ، فحفروا له فدفنوه، ونسُوا الفأسَ في لحدِه، فكشَفُوا عنه الترابَ ليأخذوا الفأسَ، فإِذا رأسُه وعنقه قد جُمِعا في حلقة الفأس، فزدُّوا عليه التُّراب ورجعوا إِلى أهله فسألوهم عنه، فقالوا: صحِبَ رجلًا فأخَذَ مالَه، فكان منه يحُجُّ ويغزو.

إِذا حججتَ بمالٍ أصلُهُ سُحْتُ … فما حَجَجْتَ ولكن حَجَّت العِيرُ

لا يقبَلُ الله إِلَّا كُلُّ طيِّبَةٍ … ما كُلُّ مَنْ حَجَّ بيتَ اللهِ مَبْرورُ

ومما يجبُ اجتنابُهُ على الحاج (١) وبه يتمُّ بِرُّ حَجِّهِ أن لا يقصِدَ بحجِّه رِياءً ولا سُمْعَةً ولا مباهاةً ولا فخرًا ولا خُيلاءَ، ولا يقصِدُ به إِلَّا وَجْهَ اللهِ ورضوانَهُ، ويتواضَعُ في حَجِّه ويستكينُ ويخشَعُ لِربِّه. رُوِي عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حَجَّ على رَحْلٍ رَثٍّ وَقَطِيفةٍ ما تساوي أربعةَ دَرَاهِمَ، وقال: "اللهم! اجعلها (٢) حِجَّةً لا رِيَاءَ فيها ولا سُمْعَةَ" (٣).

وقال عطاء: صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحَ بمنىً غدَاةَ عَرَفَةَ، ثم غَدَا إِلى عَرَفاتٍ وتحتَه قطيفة اشتُريَتْ له بأربعة دَرَاهِمَ، وهو يقولُ: "اللهم اجْعَلْها حِجَّةً مبرورةً متقبَّلةً لارِياءَ فيها ولا سُمْعَةَ". وقال عبد الله بن الحارث: ركِبَ رسولى الله - صلى الله عليه وسلم - رَحْلًا فاهتزَّ به، فتواضَعَ لله عزَّ وجلَّ، وقال: "لبَّيك، لا عيشَ إِلَّا عيشَ الآخرة" (٤). قال رجل لابن عمر: ما أكثَرَ الحاجَّ! فقال ابن عمر: ما أقلَّهم! ثم رأى رجلًا على بعيرٍ على رَحْلٍ رَثٍّ، خِطامُه حَبْلٌ، فقال: لعلَّ هذا. وقال شُريح: الحاجّ قليلٌ والركبانُ


(١) في ع: "المحرِم".
(٢) لفظ "اجعلها" لم يرد في آ، ش وسنن ابن ماجه.
(٣) أخرجه ابن ماجه رقم (٢٨٩٠) في المناسك: باب الحج على الرحل. وأورده الألباني في "صحيح ابن ماجه" رقم (٢٣٣٧). وأخرجه المنذري في "التركيب" ٢/ ١٨٣.
(٤) روى الإِمام أحمد في "مسنده" ٣/ ٢١٦ عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في رحل له: "لبيك! لا عيش إِلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة" تواضعًا في رحله.

<<  <   >  >>