للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كثير، ما أكثَرَ مَن يعملُ الخيرَ، ولكن ما أقلَّ الذين يريدون وجهه!

خليلي قطَّاعُ الفيافي إِلى الحِمَى … كثيرٌ وأمَّا الواصِلُون قليلُ

[وُجُوهٌ عليها للقَبُول علامةٌ … وليس على كُلِّ الوُجُوهِ قَبُولُ] (١)

كان بعضُ المتقدِّمين يحجُّ ماشيًا على قدمَيْه كُلَّ عامٍ، فكان ليلةً نائمًا في (٢) فراشِه، فطلبَتْ منه أمُّه شَرْبَةَ ماءٍ، فصَعُبَ على نفسِهِ القيام من فراشِهِ ليسقيَ أُمَّه الماء، فتذكَّر حجَّهُ ماشيًا كُلَّ عامٍ، وأنَّه لا يَشقُّ عليه، فحاسَبَ نفسَه، فرأى أنَّه لا يُهوِّنُه عليه إِلَّا رؤيةُ الناس له ومدحهم إِياه، فعلِمَ أنَّه كان مَدْخُولًا (٣). قال بعضُ التابعين: رُبَّ مُحْرِمٍ يقولُ: لبيكَ اللهم لبيك! فيقولُ الله له: لا لبيك ولا سعديك، هذا مردودٌ عليك. قيل له: لم؟ قال: لعلَّه اشترى ناقةً بخمسمائة درهم، ورَحْلًا بمائتي درهم، ومفرشًا بكذا وكذا. ثمَّ ركِبَ ناقته، ورجَّلَ رأسَه، ونظر في عِطْفَيْه، فذلك الذي يُرَدُّ عليه. ومن هنا استُحِبَّ للحاجّ أن يكونَ شَعِثًا أغبَرَ.

وفي حديث المباهاة يومَ عَرَفَةَ أنَّ الله تعالى يقولُ لملائكته: "انظُروا إِلى عبادِي، أتوني شُعْثًا غُبْرًا ضاحِين، اشْهَدُوا أنِّي قد غفَرْتُ لهم" (٤).

قال عُمَرُ يومًا وهو بطريق مكَّة: تشعَثُون (٥) وتغبُرُون وتتفُلُون (٦) وتَضْحُون، لا تريدون بذلك شيئًا من عَرَضِ الدُّنيا، ما نعلَمُ سَفَرًا خَيْرًا من هذا؛ يعني الحجَّ. وعنه قال: "إِنَّما الحاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ" (٧). وقال ابنُ عمر لرجلٍ رآه قد استظَلَّ في إِحْرامِه: اِضْحَ لمن أحرمْتَ له. أي ابْرُزْ للضُّحَى، وهو حَرُّ الشمس.


(١) زيادة من هامش نسخة (ع).
(٢) في ب، ط: "على فراشه".
(٣) الدَّخل: العيب والغش والفساد، يعني أن حجه كان فيه نفاق.
(٤) من حديث مشهور رواه أحمد في "مسنده" ٢/ ٢٢٤ عن عبد الله بن عمرو بن العاص و ٢/ ٣٠٥ عن أبي هريرة مع اختلاف في اللفظ يسير. وأخرجه المنذري من وجوه في "الترغيب" ٢/ ٢٠٠ - ٢٠٥، وانظر "مجمع الزوائد" ٣/ ٢٥٣ وسنن البيهقي ٥/ ٥٨، وإِتحاف السادة المتقين ٤/ ٤٣٨.
(٥) في آ، ش، ع: "يشعثون".
(٦) يتفلون: من التفل، وهو الذي ترك استعمال الطيب، من التَّفَل، وهي الرائحة الكريهة.
(٧) أخرج البيهقى في "سننه" ٥/ ٥٨ عن محمد بن عباد بن جعفر، قال: قعدنا إِلى عمر، فتذاكرنا الحج، فقال ابن عمر: قام رجل الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما الحاج؟ قال: "الشعث التفل … إِلخ"، وقال الزبيدي في "الإِتحاف" ٤/ ٤٣٨: "وفي الخبر: إِنَّما الحاج الشعث التفل. رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر. وقال الترمذي: غريب".

<<  <   >  >>