للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أتاك الوافدون إِليك شُعْثًا … يَسُوقُون المقلَّدة (١) الصَّوَافِ

فكم مِن قاصِدٍ للرَّبِّ رَغْبًا … وَرَهْبًا بينَ مُنتعِلٍ وَحَافِ

سبحان من جَعَلَ بيتَه الحَرَامَ مثابَةً للنَّاس وأَمْنًا، يتردَّدون إِليه، ويرجعون عنه، ولا يرون أنَّهم قضوا منه وَطَرًا. لمَّا أضاف الله تعالى ذلك البيت إِلى نفسه ونسَبَه إِليه، بقوله عزَّ وجلَّ لخليله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} (٢)، تعلَّقَت قلوبُ المحبِّين ببيتِ محبوبهم، فكلَّما ذُكِر لهم ذلك البيتُ الحرامُ حَنُّوا، وكلَّما تذكَّروا بُعْدَهم عنه أَنُّوا:

لا يُذْكَرُ الرَّمْلُ إِلَّا حَنَّ مغتَرِبٌ … لَهُ بذِي الرَّمْلِ أوطارٌ وأوطانُ

تهفو إِلى البانِ مِن قلبي نوازِعُه … وما بي البانُ بلْ مَنْ دارُهُ البَانُ

رأى بعضُ الصالحين الحاجَّ في وقتِ خروجهم، فوقف يبكي ويقول: واضعفاه! وينشد على إِثر ذلك:

فقلْتُ دَعُوني واتِّباعِي رِكَابَكُم … أَكُنْ طَوْعَ أيدِيكُم كما يَفْعَلُ العَبْدُ

ثم تنفَّسَ وقال: هذه حَسْرَةُ مَن انقطَعَ عن الوُصُولِ إِلى البيت، فكيف تكون حَسْرَةُ من انقطع عن الوُصُول إِلى رَبِّ البيت؟! يحقُّ لمن رأى الواصلين وهو منقطِعٌ أن يقلَقَ، ولمن شاهَدَ السائرين إِلى ديار الأحبَّة وهو قاعِدٌ أن يحزَنَ.

يا سائقَ العِيسِ تَرَفَّقْ واسْتَمِعْ … منِّي وبلِّغِ السَّلامَ عَنِّي (٣)

عَرِّضْ بذِكْري عندَهُم لعلَّهم … إِن سمعوك سائلوك عَنِّي (٤)

قل: ذلك المحبُوسُ عن قصدِكُم … معذَّبُ القَلْبِ بِكُلِّ فنِّ

يقولُ أمَّلْتُ بأن أزورَكُمْ … في جُملَة الوفد فخابَ ظنِّي

أقعَدَني الحِرْمانُ عَن قَصْدِكُم … ورُمْتُ أن أسْعَى فلم يَدَعْنِي

ينبغي للمنقطعين طلبُ الدُّعاء من الواصلين؛ لتحصلَ المشاركةُ، كما رُوِي عن


(١) أي الهدي المقلَّدة، وهو أن يعلَّق بعنق البعير قطعة من جلدٍ ليعلم أنَّه هدي فيكفّ الناس عنه. (المصباح المنير).
(٢) سورة الحج الآية ٢٦.
(٣) في آ: "ويلغن إِن وصلت عني"، وفي ب، ش، ع: "ويلُغ إِن وصلت عني"، والمثبت من (ط).
(٤) في آ: "إِن يسمعوك يسائلوك".

<<  <   >  >>