للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شهرُ الله الذي تدعونه المحرَّم". وسيأتي في وظائف ذي الحجة ذِكْرُ فَضْلِ صيام عشر ذي الحجة إِن شاء الله تعالى. وقد كان كثير من السَّلَف يصومُ الأشهر الحُرُمَ كلَّها؛ رُوي ذلك عن ابن عمر (١) والحسن البصريّ وأبي إِسحاق السَّبيعيّ.

وقال سفيان الثوري: الأشهر الحرُمُ أحَبُّ إِليَّ أن أصوم (٢) منها. وروى خَلَّاد الصَّفَّار عن أبي مسلم، قال: صيام يومٍ مِن أشهُر الحجِّ - أو قال: أشهُر الحرم - يعدِلُ شهرًا، وصيامُ يومٍ من غير الأشهر الحُرُم يعدِلُ عشرًا. ورُوي عن النَّخعي نحوه، لكنه قال: من المحرَّم، فيحتمل أنَّه أراد جنسَ الأشهر المحرَّمة. ورُوي معناه مرفوعًا من حديث أنسٍ، وإِسنادُه ضعيفٌ جدًّا. ويُروى بإِسنادٍ مجهولٍ عن أنسٍ مرفوعًا: "مَن صام من شهر حرامٍ الخميسَ والجمعةَ والسبتَ، كتبَ الله له عبادةَ تسعمائة سنة".

وقال كعب: اختار الله الزمان؛ فأحبُّه إِليه الأشهرُ الحُرمُ. ويُروى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا ولا يصحُّ.

وعن قيس بن عُبَاد أنَّه قال: ليس في الأشهر الحرم شهر إِلَّا في اليوم العاشر منه خيرٌ، قال: ففي ذي (٣) الحِجَّة في العاشر النَّحْرُ يوم الحجِّ الأكبر، وفي المحرَّم العاشر عاشوراءُ، وفي العاشر من رجب {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} (٤). قال الراوي: ونسيتُ ما قال في ذي القَعْدَة.

وقد تقدَّم في ذكر وظيفة رجبٍ أنَّه رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّه ذكر من عجائب الدنيا بأرض عادٍ عمود من نحاسٍ، عليه شجرةً من نحاسٍ؛ فإِذا كان في الأشهر الحُرُم قَطَرَ منها الماءُ، فملؤوا منه حِياضَهم، وسقوا مواشِيَهم وزروعَهم، فإِذا ذهبَت الأشهرُ الحُرُمُ انقطع الماء. وذو القَعْدَة من الأشهر الحرم بغير خلاف، وهو أَوَّل الأشهر الحُرُم المتوالية. وهل هو أولُ الحُرُم مُطلقًا أم لا، فيه اختلاف (٥) ذكرناه في وظيفة رجب. وهو أيضًا من أشهر الحجّ التي قال الله تعالى فيها: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ


(١) في آ، ش: "عن عمر"، وانظر "المصنف" لعبد الرزاق ٤/ ٢٩٢.
(٢) في ب، ط: "يصام".
(٣) لفظ "ذي" لم يرد في آ، ب، ط.
(٤) سورة الرعد الآية ٣٩. وعن مجاهد أن ذلك يكون في رمضان. انظر "تفسير القرطبي" ٩/ ٣٣٢.
(٥) في ب، ط: "خلاف".

<<  <   >  >>