للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي المسند (١) والسُّنن عن حفصة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان لا يَدَعُ صيامَ عاشوراءَ، والعَشْر، وثلاثةِ أيام من كُلِّ شهرٍ"؛ وفي إِسناده اختلاف. ورُوي عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان لا يدَعُ صِيام تسعِ ذي الحجَّة" (٢). وممن كان يصومُ العَشْرَ عبدُ الله بنُ عمر رضي الله عنهما. وقد تقدَّم عن الحسن وابن سيرين وقتادَةَ ذِكْرُ فَضْل صيامِه، وهو قولُ أكثر العلماء، أو كثيرٍ منهم.

وفي صحيح مسلم (٣) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "ما رأيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صائمًا العَشْرَ قَطُّ". وفي رواية "في العَشْر قَطُّ". وقد اختلف جوابُ الإِمام أحمد عن هذا الحديث؛ فأجابَ مرَّةً بأنَّه قد رُوي خلافُه، وذَكَر حديثَ حَفْصَةَ، وأشار إِلى أنَّه اختُلِفَ في إِسناد حديث عائشة؛ فأسنَدَهُ الأعمشُ، ورواه منصورٌ عن إِبراهيم مرسلًا، وكذلك أجاب غيرُه من العلماء بأنَّه إِذا اختلَفَتْ عائشة وحفصَةُ في النفي والإِثبات أُخِذَ بقول المثبت؛ لأنَّ معه عِلْمًا خفِيَ على النَّافي. وأجاب أحمد مرَّةً أخرى بأنَّ عائشة أرادت أنَّه لم يَصُم العَشْرَ كاملًا، يعني وحَفْصَة أرادت أنَّه كان يصوم غالبَه؛ فينبغي أن يُصَامَ بعضُه ويُفْطَرَ بعضُه. وهذا الجمع يصحُّ في رواية مَن رَوَى "ما رأيتُه صائمًا العَشْرَ". وأمَّا من رَوَى: "ما رأيتُه صائمًا في العَشْر" فيبعدُ أو يتعذَّر هذا الجَمْعُ فيه. وكان ابن سيرينَ يكرَهُ أن يقالَ: صَامَ العَشْرَ؛ لأنه يُوهم دخُول يوم النَّحْر فيه، وإِنَّما يقال: صَامَ التِّسْعَ، ولكنَّ الصِّيام إِذا أضيفَ إِلى العَشْر فالمرادُ صيامُ ما يجوزُ صومُهُ منه. وقد سَبَقَ حديث أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصومُ العَشْرَ. ولو نذر صيام العَشْر، فينبغي أن ينصرفَ إِلى التسع أيضًا، فلا يَلْزَمُ بفِطْر يومِ النَّحْر قضاءٌ ولا كفَّارةٌ؛ فإِنَّه غلبَ استعمالُه عُرفًا في التسع، ويحتمل أن يُخرَّجَ في لُزومِ القضاءِ والكفَّارة خلافٌ؛ فإِنَّ


(١) رواه أحمد في "المسند" ٦/ ٢٨٧، والنسائي ٤/ ٢٢٠ في الصوم: باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وفي سنده أبو إِسحاق الأشجعي الكوفي، وهو مجهول.
(٢) تقدم حديث بهذا المعنى أخرجه أبو داود رقم (٢٤٣٧) في الصوم: باب في صوم العشر، عن هُنَيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسعَ ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر، والخميس".
(٣) رقم (١١٧٦) في الاعتكاف: باب صوم عشر ذي الحجة، وأبو داود رقم (٢٤٣٩) في الصوم، والترمذي رقم (٧٥٦) في الصوم أيضًا.

<<  <   >  >>