للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحمد قال فيمن نَذَرَ صَوْمَ شَوَّالٍ فأفطر يومَ الفِطْر وصَامَ باقيَهُ، أنَّه يلزمه قضاءُ يومٍ وكفَّارةٌ. وقال القاضي أبو يَعْلى (١): هذا إِذا نوى صومَ جميعه، فأمَّا إِن أطلق لم يلزمْهُ شيءٌ، لأنَّ يومَ الفِطْر مستثنًى شرعًا. وهذه قاعدةٌ مِن قواعد الفقه، وهي أنَّ العمومَ هَلْ يُخَصُّ بالشرْعِ أم لا؛ ففي المسألة خلافٌ مشهور.

وأمَّا قيام ليالي العَشْر فمستحَبٌّ، وقد سَبَقَ الحديثُ في ذلك، وقد ورد في خصوص إِحياء ليلتي العيدين أحاديثُ لا تصِحُّ، وورَدَ إِجابةُ الدُّعاءِ فيهما، واستحبَّه الشافعِيُّ وغيرُه مِن العلماء. وكان سعيدُ بن جُبَير، وهو الذي رَوَى هذا الحديث عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما، إِذا دَخَلَ العَشْرُ اجتهَدَ اجتهادًا حتَّى ما يكاد يُقْدَرُ عليه. ورُوي عنه أنَّه قال: لا تطفئوا سُرُجَكم لياليَ العَشْرِ؛ تعجبُه العبادة. وأمَّا استحبابُ الإِكثار مِن الذكر فيها فقد دَلَّ عليه قول اللهِ عزَّ وجلَّ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (٢)، فإِنَّ الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جُمهور العلماء. وسيأتي ذكرُ ذلك فيما بعد إِن شاء الله تعالى.

وفي مسند الإِمام أحمد (٣) عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ما من أيامٍ أعظمُ عند الله ولا أحَبُّ إِليه العملُ فيهن من هذه الأيام العشر". فأكثِروا فيهن من التَّهليل والتكبير والتحميد. فإِن قيل: فإِذا كان العملُ في أيام العَشْرِ أفضَلَ من العمل في غيرها، وإِن كان ذلك العملُ أفضَلَ في نفسه مِمَّا عُمِلَ في العشر؛ لفضيلةِ العَشْر في نفسِه، فيصيرُ العملُ المفضولُ فيه فاضلًا حتى يفضُلَ على الجهاد الذي هو أفضلُ الأعمال، كما دَلَّت على ذلك النُّصوصُ الكثيرة، وهو قولُ الإِمام أحمد وغيرِه من العلماء، فينبغي أن يكون الحجُّ أفضَلَ من الجهاد؛ لأنَّ الحجَّ مخصوصٌ بالعَشْر، وهو من أفضل ما عُمِلَ في العشر، أو أفضل (٤) ما عمل فيه.

فكيف كان الجهادُ أفضَلَ من الحج؟ فإِنه ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة


(١) هو محمد بن الحسين بن محمد، ابن الفراء، أبو يعلى، عالم عصره في الأصول والفروع وأنواع الفنون، من أهل بغداد، ولي قضاء دار الخلافة وغيرها، توفي سنة ٤٥٨ هـ.
(٢) سورة الحج الآية ٢٨.
(٣) مسند أحمد ٢/ ٧٥ و ١٣١.
(٤) في آ: "وأفضل"، وفي ب: "وأفضل مما عمل فيه".

<<  <   >  >>