للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رضي الله عنه أنَّ رجلًا قال: يا رسولَ الله! أيُّ الأعمال أفضَلُ؟ قال: إِيمان بالله ورسوله، قال: ثم ماذا؟ قال: جِهادٌ في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال: حَجٌّ مبرورٌ (١).

قيل: التطوُّع بالجهاد أفضَلُ من التطوُّع بالحَجِّ عندَ جمهور العلماء، وقد نَصَّ عليه الإِمام أحمد، وهو مروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص. ورُوي فيه أحاديث مرفوعة، في أسانيدها مقالٌ. وحديثُ أبي هريرة هذا صريحٌ في ذلك.

ويمكن الجمع بينه وبين حديث ابن عبَّاسٍ بوجهين:

أحدهما: أنَّ حديثَ ابن عبَّاسٍ قد صرَّحَ فيه بأنَّ جهادَ مَن لا يرجعُ من نفسِه ومالِه بشيءٍ يفضُلُ على العَمَلِ في العَشْر، فيمكن أن يقالَ: الحجُّ أفضَلُ من الجهاد، إِلَّا جهادَ مَن لم يرجع من نفسِه ومالِه بشيءٍ، ويكون هو (٢) المراد من حديث أبي هريرة، ويجتمع حينئذٍ الحديثان.

والثاني: وهو الأظهر أنَّ العَمَلَ المفضُولَ قد يقترِنُ به ما يصيرُ أفضَلَ من الفاضِل في نفسِه، كما تقدَّم. وحينئذٍ فقد يقترِنُ بالحَجِّ ما يصيرُ به أفضَلَ من الجهاد، وقد يتجرَّدُ عن ذلك، فيكون الجهادُ حينئذٍ أفضَلَ منه، فإِن كان الحَجُّ مفروضًا فهو أفضَلُ من التطوُّع بالجهاد؛ فإِنَّ فروضَ الأعيان أفضَلُ مِن فُروض الكفاياتِ عند جمهور العلماءِ. وقد رُوي هذا في الحَجِّ والجهاد بخُصُوصهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وروي مرفوعًا من وجوهٍ متعدِّدَةٍ، في أسانيدِها لين. وقد دَلَّ على ذلك ما حكاهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رَبِّه عزَّ وَجَلَّ، أنَّه قال: "ما تقرَّب إِليَّ عبدي بمثلِ أداءِ ما افْتَرَضْتُ عليه" (٣).

وإِن كان الحاج ليس من أهل الجهاد فحجُّه أفضَلُ من جهاده، كالمرأة.


(١) أخرجه البخاري رقم (٢٦) في الإِيمان: باب من قال: إِن الإِيمان هو العمل، وفي الحج: باب فضل الحج المبرور؛ ومسلم رقم (٨٣) في الإِيمان: باب بيان كون الإِيمان بالله تعالى أفضل الأعمال. ورواه الترمذي رقم (١٦٥٨) في فضائل الجهاد، والنسائي ٥/ ١١٣ في الحج.
(٢) في ش، ع: "هذا المراد".
(٣) بعض حديث طويل أخرجه البخاري ١١/ ٣٤٠ - ٣٤٧ في الرّقاق: باب التواضع، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <   >  >>