للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي "صحيح البخاري" (١) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "يا رسولَ الله، نَرَى الجهادَ أفضَلَ العَمَلِ، أفلا نجاهِدُ؟ قال: أفضَل الجهاد حَجٌّ مَبْرورٌ. وفي رواية له: "جهادُكُنَّ الحجُّ".

وفي رواية له أيضًا: "نِعم الجهادُ الحَجُّ". وكذلك إِذا استغرق العَشْرُ كلُّه عملَ الحَجِّ وأتى به على أكمل وجوه البِرِّ من أداءِ الواجبات واجتناب المحرَّمات، وانضَمَّ إِلى ذلك الإِحسانُ إِلى الناس ببذْلِ السَّلام وإِطعام الطعام، وضَمَّ إِليه كثرةَ ذكر الله عزَّ وجلَّ، والعجَّ والثَّجَّ، وهو رَفْعُ الصَّوْت بالتلبية وسَوْقُ الهَدْي؛ فإِنَّ هذا الحجَّ على هذا الوَجْه قد يفضُلُ على الجهادِ. وإِن وَقَعَ عملُ الحَجِّ في جزءٍ يسيرٍ من العَشْر ولم يؤتَ به على الوجْهِ المبرور، فالجهادُ أفضَلُ منه. وقد رُوي عن عُمَرَ وابن عمر وأبي موسى الأشعري ومجاهدٍ ما يدلُّ على تفضِيل الحَجِّ على الجهاد وسائر الأعمال. وينبغي حملُه على الحَجِّ المبرور الذي كَمُلَ بِرُّه واستوعَبَ فِعْلُه أيَّام العَشْر، والله أعلم (٢).

فإِن قيل: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "ما مِن أيامٍ العَمَلُ الصَّالحُ فيها أحَبُّ إِلى الله من هذه الأيام"، هل يقتضي تفضيل كُلِّ عملٍ صالح وَقَعَ في شيءٍ من أيام العَشْر على جميع ما يقعُ في غيرها، وإِن طالت مدته أم لا؟ قيل: الظاهر - والله أعلم - أنَّ المرادَ أنَّ العَمَلَ في هذه الأيام العَشْر أفضَلُ من العمل في أيامٍ عشرٍ غيرِها، فكُلُّ عَمَلٍ صالحٍ يقعُ في هذا العشر فهو أفضَلُ من عملٍ في عشرة أيامٍ سِواها، مِن أيِّ شَهْرٍ كان، فيكون تفضيلًا للعمل في كُلِّ يومٍ منه على العَمَلِ في كُلِّ يومٍ من أيَّامِ السَّنة غيره.

وقد قيل: إِنَّما يفضُلُ (٣) العَمَلُ فيها على الجهاد إِذا كان العَمَلُ فيها مستغرقًا لأيام العَشْر، فيفضُلُ على جهادٍ في عدد تلك الأيَّامِ مِن غير العَشْر. وإِن كان العَمَلُ


(١) رقم (١٥٢٠) في الحج: باب فضل الحج المبرور، وباب حج النساء، وفي الجهاد: باب فضل الجهاد، وباب جهاد النساء. وأخرجه النسائي ٥/ ١١٤ و ١١٥ في الحج: باب ما جاء في فضل الحج وثوابه.
(٢) رواه ابن عباس، وقد أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي، ومضى تخريجه في أول هذا الباب.
(٣) في ب: "يُفَضَّل".

<<  <   >  >>