للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستغرقًا لبعض أيَّام العشر، فهو أفضَلُ من جهادٍ في نظير ذلك الزمان من غير العَشْر.

واستُدِلَّ على ذلك بأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ العَمَلَ الدَّائمَ الذي لا يفتُرُ من صيامٍ وصلاةٍ معادلًا للجهاد في أيِّ وقتٍ كان، فإِذا وقَعَ ذلك العَمَلُ الدَّائم في العشر، كان أفضَلَ مِن الجهاد في (١) مثل أيامه، لفضل العَشْرِ وشَرَفِه؛ ففى "الصحيحين" (٢) عن أبي هريرة، قال: جاء رجلٌ إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: دُلَّني على عملٍ يَعْدِلُ الجهادَ. قال: لا أجِدُه. قال: هل تستطيعُ إِذا خَرَجَ المجاهِدُ أن تَدْخُلَ مسجدَك، فتقومَ ولا تَفْتُرَ، وتَصومَ ولا تُفطِرَ؟ قال: وَمَنَ يستطيعُ ذلك؟ ". ولفظه للبخاري، ولمسلمٍ معناه، وزاد: ثم قال: "مثلُ المجاهد في سبيل الله كمثل الصَّائم القائم القانت بآيات الله، الذي لا يَفْتُر من صلاةٍ ولا صيامٍ، حتَّى يرجعَ المجاهدُ في سبيل الله". وللبخاري: "مثلُ المجاهد في سبيل الله، - والله أعلم بمن يجاهدُ في سبيله - كمثل الصائم القائم". وللنسائي: "كمثل الصائم القائم الخاشِع الراكع السَّاجد". ويدُلُّ على أنَّ المراد تفضيلُهُ على جهادٍ في مثل أيَّامِه خاصَّةً ما في (٣) صحيح ابن حِبَّان (٤)، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ما مِن أيامٍ أفضلُ عند اللهِ من أيام عَشْر ذي الحجة. فقال رجلٌ: يا رسولَ الله، هو أفضَلُ أم عِدَّتُهن جهادًا في سبيل الله؟ قال: هو أفضَلُ من عدتهِنَّ جهادًا في سبيل الله. فلم يُفَضّل العمل في العَشْر إِلَّا على الجهاد في عدَّة أيام العَشْر لا مطلقًا.

وأمَّا ما تقدَّم من أنَّ كُلَّ يومٍ منه يعدِلُ سنةً أو شهرين أو ألفَ يومٍ، فكُلُّها مِن أحاديثِ الفضائل، ليست بقويَّةٍ.

ثم إِنَّ أكثر ما ورد ذلك في صيامها، والصيامُ له خُصُوصيَّة في المضاعَفَة، فإِنَّه لله، واللهُ يجزي به. فإِن قيل: إِنه لا يختص بالصَّوم، بل يعمُّ سائرَ الأعمال،


(١) في آ، ش: "في سبيل الله".
(٢) أخرجه البخاري رقم (٢٧٨٥) في الجهاد: باب فضل الجهاد والسير، ومسلم رقم (١٨٧٨) في الإِمارة: باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى، والنسائي ٦/ ١٩ في الجهاد: باب ما يعدل الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ. وانظر الحديث ورواياته في "جامع الأصول" ٩/ ٤٨٠ - ٤٨٢.
(٣) في ش: "ما ورد في صحيح".
(٤) صحيح ابن حبان ٢/ ٥٦٢ (١٠٠٦) موارد.

<<  <   >  >>