للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَرُوي عن أبي موسى الأشعري أنَّ الأيَّام المعلومات هي تسعُ ذي الحِجَّة غير يوم النَّحْر، وأنَّه قال: لا يُرَدُّ فيهنَّ الدُّعاءُ. خرَّجه جعفر (١) الفِرْيابيّ وغيرُه.

وقالت طائفة: هي أيَّام الذّبح. وروي عن طائفةٍ من السَّلَف، وهو قول مالكٍ، وأيي يوسُف، وجعلوا ذِكْرَ الله فيها ذكْرَه على الذّبح؛ وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما. ونقل المَرُّوْذِيّ (٢) عن أحمدَ أنَّه استحسنه. والقولُ الأول أظهر.

وذِكْرُ الله على بَهيمة الأنعام لا يختصُّ بحال ذبْحها، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} " (٣). وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (٤). وأيضًا فقد قال الله تعالى بعدَ هذا: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (٥). فجعل هذا كلَّه بعدَ ذِكْره في الأيَّام المعلوماتِ وقضاءِ التَّفَثِ، وهو شَعَثُ الحجِّ وغبارُه ونصَبُهُ. والطَّوافُ بالبيت إِنَّما يكون في يوم النَّحْر وما بعدَه، ولا يكون قبلَه. وقد جعل الله سبحانه هذا مرتَّبًا على ذكره في الأيَّام المعلومات بلفظة "ثم"، فدَلَّ على أنَّ المراد بالأيَّام المعلومات ما قبْلَ يوم النَّحْر، وهو عَشْرُ ذي الحِجَّة.

وأمَّا قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (٦)، فقيل: إِنَّ المراد ذكرُهُ عند ذَبْحها، وهو حاصلٌ بذكره في يوم النَّحْر؛ فإِنَّه أفضَلُ أيَّام النَّحْر. والأصَحُّ أنَّه إِنَّما أُريدَ ذكرُه شكرًا على نِعْمَةِ تسخير بَهيمة الأنعام لعباده؛ فإِنَّ لله تعالى على عبادهِ في بهيمة الأنعام نِعَمًا كثيرةً قد عدَّد بعضَها في مواضعَ من القرآن. والحاجّ (٧) لهم خصوصيَّةٌ في ذلك عن غيرهم؛ فإِنَّهم يسيرون


(١) هو جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض، أبو بكر الفريابي، ارتحل إِلى بلاد كثيرة، وولي قضاء الدينور، وصنَّف التصانيف النافعة، وكان ثقة حجة، من أوعية العلم، مات سنة ٣٠١ هـ. (سير أعلام النبلاء ١٤/ ٩٦ - ١٠٦).
(٢) هو أحمد بن محمد بن الحجَّاج المَرُّوْذِي، أبو بكر، صاحب الإِمام أحمد، كان والده خوارزميّاً، وأمُّه مَرُّوذِيَّة، نزل بغداد، وكان إِماماً في السُّنَّة، فقيهًا، ومحدِّثًا، مات سنة ٢٧٥ هـ. (سير أعلام النبلاء ١٣/ ١٧٣).
(٣) سورة الحج الآية ٣٧.
(٤) سورة الحج الآية ٣٤.
(٥) سورة الحج الآية ٢٨ و ٢٩.
(٦) سورة الحج الآية ٢٨.
(٧) في ش: "والحجاج".

<<  <   >  >>