للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليها إِلى الحرَم؛ لِقَضَاء نُسُكِهم، كما قال تعالى: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (١)، وقال تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} (٢). ويأكلون من لحومها، ويشربون من ألبانها، وينتفِعون بأصوافها وأوبارها وأشعارها.

ويختصُّ عَشْرُ ذي الحِجَّة في حقِّ الحاج بأنَّه زمَنُ سَوْقهم للهَدْي الذي به يكمُلُ فَضْلُ الحجِّ، ويأكلون من لحومِهِ في آخِرِ العَشْر، وهو يومُ النَّحْرِ. وأفضَلُ سَوْقِ الهَدْي مِن الميقات، ويُشعر ويُقلَّد (٣) عند الإِحرام، وتقارِنُهُ التلبية، وهي من الذِّكْر لله في الأيَّام المعلومات.

وفي الحديث: "أفضَلُ الحَجِّ العَجُّ والثَّجُّ" (٤). وفي حديث آخر: "عجُّوا التَّكْبيرَ عَجًّا، وثُجُّوا الإِبلَ ثجًا".

فيكون كثرةُ ذِكْرِ اللهِ في أيَّام العَشْر شكرًا على هذه النّعمة المختصَّة ببهيمة الأنعام، التي بعضُها يتعلَّق بدِين الحاج، وبعضُها بدنياهم. وأفضَلُ الأعمالِ ما كثُر ذِكْرُ الله تعالى فيها؛ منها خصوصًا الحجُّ. وقد أمر الله تعالى بذكره كثيرًا في أيَّام (٥) الحجِّ؛ قال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٦)؛ فهذا الذِّكْرُ يكون في عَشْر


(١) سورة الحج الآية ٢٧.
(٢) سورة النحل الآية ٧.
(٣) تقليد البدنة: أن يعلَّق في عنقها شيء ليعلم أنَّها هدي.
(٤) أخرجه الترمذي رقم (٨٢٧) في الحج: باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو حديث حسن. وأخرجه أيضًا عن ابن عمر رقم (٣٠٠١) في التفسير: باب من سورة آل عمران، وكذا ابن ماجة رقم (٢٨٩٦) في المناسك: باب ما يوجب الحج، وفي سنده إِبراهيم بن يزيد الخوزي المكي، كما قال الحافظ في التقريب. وقال الترمذي: هذا الحديث لا نعرفه إِلا من حديث إِبراهيم بن يزيد الخوزي المكي، وقد تكلم بعض أهل العلم في إِبراهيم بن يزيد الخوزي المكي، من قبل حفظه. ولكن للحديث شواهد يرتقي بها إِلى درجة الحسن، منها ما رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم والبيهقي في السنن من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، واستغربه الترمذي. انظر "تلخيص التحبير" للحافظ ابن حجر ٢/ ٢٣٩ - ٢٤٠.
(٥) لفظ "أيام" لم يرد في ب، ش، ع.
(٦) سورة البقرة الآية ١٩٨ و ١٩٩.

<<  <   >  >>