للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذي الحِجَّة. ثمَّ قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} (١)، وهذا يقع في يوم النَّحْر، وهو خاتمة العَشْر أيضًا. ثم أمر بذكره بعد العَشْر في الأيام المعدودات، وهي أيَّام التشريق.

وفي "السُّنن" عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إِنَّما جُعِل الطَّوافُ بالبيت، والسعيُ بين الصَّفا والمروة، ورميُ الجمار؛ لِإِقامة ذكر الله عزَّ وجلَّ" (٢).

وفي "مسند" الإِمام أحمد (٣)، عن معاذ بن أنس: أنَّ رجلًا قال: يا رسولَ الله! أيُّ الجهاد أعظمُ أجرًا؟ قال: أكثرُهُم لله ذِكرًا. قال: فأيُّ الصائمين أعظمُ أجرًا؟ قال: أكثرهم لله ذكرًا. قال: ثم ذكر الصَّلاة، والزَّكاة، والحجَّ، والصَّدقَةَ؛ كلُّ [ذلك] ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أكثرهم لله ذِكْرًا. فقال أبو بكر: يا أبا حفص! ذهبَ الذَّاكرون بكُلِّ خيرٍ. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أجَلْ!.

وقد خرَّجه ابن المبارك، وابن أبي الدنيا من وجوهٍ أخر مرسلةٍ، وفي بعضها: أي الحاج خير؟ قال: أكثرهم ذكرًا لله. وفي بعضها: أيُّ الحاج أعظمُ أجرًا؟ قال: أكثرهم لله ذكرًا، وذكر بقية الأعمال، بمعنى ما تقدَّم. فهذا كُلُّه بالنسبة إِلى الحاج.

فأمَّا أهلُ الأمصار فإِنَّهم يشاركون الحاج في عَشْر ذي الحجة؛ في الذِّكْر، وإِعداد الهَدْي. فأمَّا إِعدادُ الهَدْي فإِنَّ العَشْر تُعَدُّ فيه الأضاحي، كما يَسوق أهلُ الموسم الهَدْيَ، ويشاركونهم في بعض إِحرامهم؛ فإِنَّ من دخل عليه العَشْرُ وأراد أن يضحي، فلا يأخُذْ من شَعره ولا مِنْ أظفاره شيئًا، كما روت ذلك أم سلمةَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. خرَّج حديثها مسلم (٤)، وأخذ بذلك الشافعي، وأحمد، وعامَّة فقهاء الحديث.

ومنهم من شرط أن يكون قد اشترى هَدْيَه قبلَ العَشْر، وأكثرهم لم يشرطوا ذلك.


(١) سورة البقرة الآية ٢٠٠.
(٢) أخرجه الترمذي رقم (٩٠٢) في الحج: باب ماجاء في كيف يرمي الجمار، وأبو داود رقم (١٨٨٨) في المناسك: باب في الرمل، وإِسناده حسن.
(٣) مسند أحمد ٣/ ٤٣٨.
(٤) رواه مسلم رقم (١٩٧٧) (٣٩) (٤٠) (٤١) في الأضاحي: باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة، وهو مريد التضحية، أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئًا.

<<  <   >  >>