للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمكانَ الذي نزلت فيه؛ نزلَتْ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قائِمٌ بِعَرَفَةَ يومَ جُمعةٍ. وخرَّج الترمذي (١) عن ابن عباس نحوَه، وقال فيه: نزلت في يوم عيد من يوم جمعة ويوم عرفة (٢).

العيدُ هو موسم الفرح والسرور، وأفراحُ المؤمنين وسرورُهم في الدنيا إِنَّما هو بمولاهم، اذا فازوا بإِكمال طاعته، وحازوا ثوابَ أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته، كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (٣). قال بعضُ العارفين: ما فرِحَ أحدٌ بغير الله إِلَّا بغفلته عن الله؛ فالغافِلُ يفرَحُ بلهوه وهواه، والعاقلُ يفرَحُ بمولاه. وأنشد سَمْنُون (٤) في هذا المعنى:

وكان فُؤادِي خاليًا قَبْلَ حُبِّكُم … وكان بذِكْرِ الخَلْق يَلْهُو ويمرَحُ

فلمَّا دعا قلبي هواك أجابَهُ … فلسْتُ أراهُ عن فنائِكَ يَبْرَحُ

رُمِيتُ ببعدٍ منكَ إِنْ كنْتُ كاذبًا … وإِن كنتُ في الدنيا بغيرك أفرَحُ

وإِن كان شيء في البلاد بأسْرِها … إِذا غِبْتَ عن عيني لعينيَ يَملُحُ

فإِن شئْتَ واصِلْني وإِن شئْتَ لا تصِلْ … فلسْتُ أرَى قلبي لغيرِك يصلُحُ

لمَّا قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "إِنَّ الله قد


(١) رقم (٣٠٤٦) في التفسير: باب ومن سورة المائدة.
(٢) في هامش نسخة (ع) نقلًا عن تفسير البغوي (٢/ ١٠)، ما نصه: "قال البغوي - رحمه الله - في قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} - المائدة ٣: - نزلت هذه الآية يوم الجمعة يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع، والنبي - صلى الله عليه وسلم - واقف بعرفات على ناقته العضباء، فكادت عضد الناقة تندق من ثقلها وبركت. قال ابن عباس: كان في ذلك اليوم خمسة أعياد: جمعة، وعرفة، وعيد اليهود، والنصارى، والمجوس، ولم تجتمع أعياد أهل الملل في يومٍ قبله ولا بعده. وروي أنَّه لما نزلت هذه الآية بكى عمر، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما يبكيك يا عمر؟ فقال: أبْكاني أننا كنَّا في زيادة من ديننا، فأما إِذا كمل، فإِنَّه لم يكمل شيء ألا نقص. قال: صدقت. فكانت هذه الآية نعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعاش بعدها أحدًا وثمانين يومًا. انتهى كلامه".
(٣) سورة يونس الآية ٥٨.
(٤) هو سَمنون بن عبد الله، ويكنى أبا القاسم، صحب سريًا وغيره، ووسوس فكان يتكلم في المحبة، ثم سمَّى نفسه الكذاب لموضع دعواه في قوله:
فليس لي في سواك حظ … فكيف ما شئت فامتحني
فامتحن بحصر البول، فصار يدور في المكاتب ويقول للصبيان: ادعوا لعمكم المبتلى بلسانه. (المنتظم ٦/ ١٠٨). والأبيات في تاريخ بغداد ٩/ ٢٣٧ وطبقات الصوفية ص ١٩٨، وفيهما: "رميت بِبَيّنٍ".

<<  <   >  >>