للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيَّام مِنىً ثلاثة، {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (١). خرَّجه أهلُ السُّنن الأربعة (٢) من حديث عبد الرحمن بن يَعْمَر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا صريح في أنها أيام التشريق. وأفضلُها أولُها، وهو يوم القَرِّ؛ لأنَّ أهلَ مِنىً يستقرّون فيه، ولا يجوز فيه النّفر. وفي حديث عبد الله بن قُرْط عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أعظمُ الأيَّام عند اللّه يومُ النَّحْر، ثم يوم القَر" (٣). وقد رُوِي عن سعيد بن المسيّب أن يومَ الحجِّ الأكبرِ هو يومُ القَرِّ، وهو غريبٌ. ثم يوم النَّفْر الأَوَّل، وهو أوسَطُها. ثم يوم النَّفْر الثاني، وهو آخرها. قال الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (١). قال كثيرٌ من السَّلف: يريد أن المتعجِّل والمتأخِّر يُغفَر له ويَذهبُ عنه الإِثم الذي كان عليه قبل حجِّه، إذا حجَّ فلم يرفُثْ ولم يَفْسُقْ، ورَجَعَ من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه. ولهذا قال تعالى: {لِمَنِ اتَّقَى}، فتكون التقوى شَرْطًا لذهاب الإِثم على هذا التقدير، وتصير الآية دالَّةً على ما صرَّح به قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَن حَجَّ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رَجَعَ مِن ذُنوبه كيوم وَلَدَتْهُ أمُّه" (٤).

وقد أمر اللّه تعالى بذِكْرِه في هذه الأيَّام المعدُودات، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّها أيام أكْلٍ وشُرْبٍ وذِكْرِ الله عز وجل". وذِكْرُ الله عزَّ وجلَّ المأمورُ به في أيَّام التشريق أنواعٌ متعددة:

منها: ذِكْرُ الله عزَّ وجلَّ عقِبَ (٥) الصَّلواتِ المكتوباتِ بالتكبير في أَدْبَارها، وهو مشروعٌ إلى آخر أيَّام التشريق عند جمهور العلماء. وقد رُوي عن عمر وعلي وابن عباس. وفيه حديثٌ مرفوع في إسناده ضعف.


(١) سورة البقرة آية ٢٠٣.
(٢) أخرجه الترمذي رقم (٨٨٩) في الحج: باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، وأبو داود رقم (١٩٤٩) في المناسك: باب من لم يدرك عرفة، والنسائي ٥/ ٢٦٤ في الحج: باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بمزدلفة، وابن ماجه رقم (٣٠١٥) في المناسك: باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، وإسناده حسن.
(٣) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٤/ ٣٥٠ وقد سبق تخريجه.
(٤) أخرجه بهذا اللفظ المنذري في "الترغيب" ٢/ ١٦٣ وقال: "رواه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي إلا أنه قال: غفر له ما تقدم من ذنبه". ورواه أحمد بنحوه في "مسنده" ٢/ ٢٢٩. والرَّفَث: ما روجع به النساء، وهي كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة. والفسوق: المعصية، والخروج عن الاستقامة.
(٥) في آ، ش، ع: "عقيب"، وهما بمعنى.

<<  <   >  >>