للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السائل؟ قال: ها أنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الخير لا يأتي إلَّا بالخير". وفي رواية لمسلم، فقال: "أوَخيرٌ هو " (١)؟ وفي ذلك دليل على أنَّ المال ليس بخيرٍ على الإِطلاق، بل منه خيرٌ ومنه شرٌ.

ثم ضرَبَ مثلَ المال ومثلَ مَن يأخُذُه بحقِّه ويصرِفُه في حقه، ومَن يأخذُه من غير حقِّه ويصرفه في غير حقِّه؛ فالمالُ في حقِّ الأوَّل خيرٌ، وفي حقِّ الثاني شرٌّ، فتبيَّن بهذا أنَّ المال ليس بخير مُطلقٍ، بل هو خيرٌ مقيَّدٌ، فإنْ استعان به المؤمنُ على ما ينفعُه في آخرته كان خيرًا له، وإلَّا كان شرًّا له.

فأمَّا المالُ، فقال: إنه خضِرَة حُلْوةٌ، وقد وُصِفَ المالُ والدنيا بهذا الوصف في أحاديثَ كثيرةٍ؛ ففي "الصحيحين" (٢) عن حكيم بن حِزام، أنَّه سأل النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا حكيم! إنَّ هذا المال خضِرَةٌ حلوةٌ، فَمَنْ أَخَذَه بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فيه، ومَن أخذَه بإشرافِ نَفْسٍ لم يُبَارَكْ له فيه؛ وكان كالذي يأكلُ ولا يشبَعُ".

وفي "صحيحِ مسلم" (٣) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إنَّ الدُّنيا خَضِرةٌ حُلْوةٌ، وإنَّ اللّهَ مُسْتَخْلِفُكم فيها، فناظِرٌ كيفَ تعملون؛ فاتَّقُوا الدنيا، واتقوا النِّساء؛ فإنَّ أوَّلَ فتنةِ بني إسرائيل كانت في النساء". واستخلافُهم فيها هو ما أورثهم اللهُ منها مما كان في أيدي الأمم من قبلهم كفارِسَ والروم، وحذَّرهم من فتنة الدنيا، وفتنة النِّساء خُصوصًا؛ فإنَّ النِّساءَ أوَّلُ ما ذكره اللّه تعالى من شهواتِ الدنيا


(١) مسلم رقم (١٠٥٢) (١٢١) في الزكاة.
(٢) قطعة من حديث أخرجه البخاري رقم (١٤٧٢) في الزكاة: باب الاستعفاف عن المسألة، وفي الوصايا: باب تأويل قول الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وفي الجهاد: باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم، وفي الرقاق: باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا المال خضرة حلوة". ورواه مسلم رقم (١٠٣٥) في الزكاة: باب أن اليد العليا خير من اليد السفلى.
(٣) رقم (٢٧٤٢) في الذكر: باب أكثر أهل الجنة الفقراء. وهو عند الترمذي رقم (٢١٩٢) بعض حديث طويل في الفتن: باب ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة.

<<  <   >  >>