للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشتاء والصيف، فواللهِ ما زال المؤمنون يتفكَّرون فيما خلَقَ لهم ربُّهم حتى أيقنَتْ قلوُبهم، وحتى كأنَّما عبَدُوا الله عن رؤيته. [يذكِّرُنيك الحرُّ والبردُ، والذي أخاف وأرجو، والذي أتوقَّع] (١). ما رأى العارفون شيئًا من الدُّنيا إلَّا تذكروا به ما وعَدَ الله به من جنسِه في الآخرة [من كُلِّ خير وعافية] (٢).

قلوبُ العارِفينَ لها عُيونٌ … تَرَى ما لا يَرَاهُ النَّاظرونا

وأمَّا الأزمان فشدَّةُ الحَرِّ والبَرْد يذكِّر بما في جهنَّم من الحَرِّ والزمهرير، وقد دَلَّ هذا الحديثُ الصحيح (٣) على أنَّ ذلك من تنفس النار في ذلك الوقت. قال الحسن: كُلُّ برد أهلك شيئًا فهو من نَفَس جهنَّم، وكُلُّ حَرٍّ أهلك شيئًا فهو من نَفَس جهنَّم. وفي الحديث الصحيح (٤) أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إذا اشْتدَّ الحَرُّ فأبْرِدوا بالصَّلاة (٥)، فإنَّ شِدَّة الحَرِّ من فَيْح جَهَنَّم". وفي حديث مرفوعٍ خرَّجه عثمان الدارِمِيُّ (٦) وغيرُه: "إذا كان يومٌ شديد الحَرِّ، فقال العبدُ: لا إله إلا الله، ما أشدَّ حَرَّ هذا اليوم! اللهم، أجرني من حَرِّ جهنَّم، قال الله لِجهنَّمَ: إنَّ عبدًا من عبادي قد استجار بي منكِ، وقد أجرْتُه. وإذا كان يومٌ شديدُ البرد، فقال العبد: لا إله إلا الله، ما أشدَّ برد هذا اليوم! اللهم، أجِرْني من زمهرير جهنَّم، قال الله لجهنَّم: إنَّ عبدًا مِن عبادي قد استجارَ بي من زمهريرك، واني أُشهِدُك أنِّي قد أجرته. قالوا: وما زمهرير جهنَّم؟ قال: بيتٌ يُلقى فيه الكافِرُ فيتميَّزُ من شِدَّة بَرْدِه".

أبوابُ النار مغلقة، وتُفتح أحيانًا؛ فتفتح أبوابها كلها عند الظهيرة، فلذلك يشتدُّ


(١) ما بين قوسين لم يرد في ب، ط.
(٢) زيادة من (ط) فقط.
(٣) أخرج الشيخان من حديث أبيِ هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: ربِّ، أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشدَّ ما تجدون من الحَرِّ، وأشدّ ما ترون من الزمهرير".
(٤) أخرجه الجماعة، من حديث أبي هريرة. وانظر "جامع الأصول" ٥/ ٢٣٥ - ٢٣٧.
(٥) في ب، ط: "عن الصلاة"، وهو رواية ثانية في الترمذي والموطأ.
(٦) هو عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي السجستاني، أبو سعيد، محدِّث هراة، له تصانيف في الرد على الجهمية، توفي في هراة سنة ٢٨٠ هـ، وليس هو صاحب "سنن الدارمي".

<<  <   >  >>