للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحَرُّ حينئذٍ فيكون في ذلك تذكرة بنار جهنَّم. وأمَّا الأجسام المشاهَدة في الدنيا المذكِّرة بالنَّار فكثيرة.

منها: الشمسُ عند اشتداد حَرِّها، وقد رُوي أنَّها خُلِقت من النَّار وتعودُ إليها.

وخرَّج الطبراني (١) بإسناده أن رجلًا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - نزَعَ ثيابَه، ثم تمرَّغ في الرَّمْضاء (٢) وهو يقول لنفسه: ذوقي، نارُ جهنَّم أشدُّ حرًّا؛ جيفةٌ بالليل، بطَّالٌ بالنَّهار. فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسولَ اللّه، غلبتني نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد فُتِحت لَكَ أبوابُ السَّماء، وباهَىَ الله بكَ الملائكةَ": وأمَّا البروز للشمس تعبُّدًا بذلك (٣) فغيرُ مشروع؛ فإنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي إسرائيل (٤) لما رآه قائمًا في (٥) الشمس، فأمره أن يجلسَ ويستظل، وكان نَذَرَ أن يقومَ في الشمس مع الصَّوم، فأمره أن يتمَّ صومَه (٦) فقط. وإنما يشرع البروز للشمس للمحرِم، كما قال ابنُ عمر رضي الله عنهما لمحرمٍ رآه قد استظلَّ: "إضْحَ (٧) لِمَنْ أحْرَمْتَ له"، أي ابرُزْ إلى الضَّحَاء (٨)، وهو حَرُّ الشمس. كان بعضُهم إذا أحرَمَ لم يستظِلَّ، فقيل له: لو أخذْتَ بالرُّخصة؛ فأنشَدَ:


(١) قال الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" ١٠/ ١١٧: "قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس، من رواية ليث بن أبي سليم، وهذا منقطع أو مرسل، ولا أدري مَن طلحة هذا، إلا أن يكون طلحة بن مصرف، وإلا فهو مجهول"، ثم قال: "وقد أخرجه الطبراني من حديث بريدة متصلًا نحوه … ". وقد أخرجه ابن أبي الدنيا في "محاسبة النفس" ص ٩٤ بتحقيق مصطفى بن علي، وص ٦٦ بتحقيق عبد الله الشرقاوي.
(٢) الرمضاء: الأرض التي حميت من شدة وقع الشمس.
(٣) بعدها في ع، ش: "مطلقًا".
(٤) هو أبو إسرائيل الأنصاري أو القرشي العامري، ذكره البغوي وغيره في الصحابة، ترجم له ابن حجر في "الإصابة" ١/ ٦، وذكر الحديث.
(٥) في ط: "نائمًا"، وهو تحريف.
(٦) في آ، ش، ع: "الصوم". والحديث أخرجه البخاري عن ابن عباس رقم (٦٧٠٤) في الإِيمان والنذور: باب النذر فيما لا يملك وفي معصية، والموطأ، ٢/ ٤٧٥ في الأيمان والنذور: باب ما لا يجوز من النذور في معصية اللّه، وأبو داود رقم (٣٣٠٠) في الأيمان والنذور: باب ما جاء في النذر في المعصية - ونصه: "بينما رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائمٍ، فسأل عنه؛ فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ويصوم ولا يفطر بنهار، ولا يستظلّ، ولا يتكلّم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مروه فليستظلّ، وليقعدْ، وليتكلَّمْ، وليتمَّ صومه".
(٧) قال الجوهري (ضحا): يرويه المحدِّثون "أضْحِ" بفتح الألف وكسر الحاء، من أضحيت. وقال الأصمعي: إنما هو "اِضْحَ لمن أحرمت له" بكسر الألف وفتح الحاء. واللفظة في الهروي "إضْحَ" ضبط قلم، وفي الفائق "اضْحَ".
(٨) الضَّحاء: إذا ارتفع النهار واشتد وقع الشمس.

<<  <   >  >>