للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحسن: يرزُقه (١) طاعةً يجدُ لذتها في قلبه. أهلُ التقوى في نعيم حيث كانوا في الدنيا، وفي البَرْزَخ، وفي الآخرة.

العيشُ عيشهُمُ والملكُ ملكهُمُ … ما النَّاسُ إلَّا هُمُ بانُوا أو اقتَرَبُوا

وأمَّا أهلُ المعاصي والإعْراض (٢) عن الله، فإن الله يُعجِّلُ لهم في الدنيا من أنموذج عقوباتِ جهنم ما يُعرف أيضًا بالتجربة والذوق، فلا تسألْ عمَّا هُمْ فيه من ضيق الصَّدرِ وحَرجِهِ ونَكَدِه، وعمَّا يُعجَّلُ لهم من عقوبات المعاصي في الدنيا ولو بعدَ حين من زمن العصيان. وهذا من نفحات الجحيم المعجَّلة لهم، ثم ينتقلون بعد هذه الدار إلى أشدَّ من ذلك وأضيَقَ، ولذلك يضيق على أحدهم قبرُه حتى تختلفَ فيه أضلاعُه، ويُفتح له بابٌ إلى النار، فيأتيه من سَمُومها، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} (٣). وورد في الحديث المرفوع تفسيرُها بعذاب القبر. ثم بعد ذلك يصيرون إلى جهنَّم وضِيقها، قال الله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (١٣) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} (٤).

وممَّا يدُلُّ أيضًا في الدنيا على وجود النار [ويذكر بها] (٥) الحُمَّى التي تُصيبُ بني آدم، وهي نار باطنةٌ؛ فمنها نفحةٌ من نَفَحات سَموم جهنم، ومنها نفحة من نفحات زمهريرها. وقد روي في حديثٍ خرَّجه الإمام أحمد (٦) وابنُ ماجه أنها حظُّ المؤمن من النار.

والمراد (٧) أن الحُمَّى تكفِّر ذنُوبَ المؤمن وتنقِّيه منها، كما ينقي الكيرُ خَبَثَ الحديد. وإذا طُهِّرَ المؤمنُ من ذنوبه في الدنيا، لم يجدْ حَرَّ النَّار إذا مرَّ عليها يومَ القيامة؛ لأنَّ وجدانَ الناس لحرِّها عندَ المرور عليها بحسب ذنوبهم؛ فمن طُهِّرَ من


(١) في ب، ط: "نرزقه".
(٢) في ش، ع: "والمعرضون".
(٣) سورة طه الآية ١٢٤.
(٤) سورة الفرقان الآية ١٣ و ١٤.
(٥) زيادة من ش، ع.
(٦) رواه أحمد في "المسند" ٢/ ٤٤٠، وهو حديث حسن، وابن ماجه رقم (٣٤٧٠) في الطب: باب الحمى، من حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنَّه عاد مريضًا، ومعه أبو هريرة، مِن وَعْكٍ كان به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْشِرْ، فإنَّ الله يقول: هي ناري أسلِّطها على عبدي المؤمن في الدنيا؛ لتكون حَظَّهُ من النار في الآخرة".
(٧) في ب، ط: "والمدار".

<<  <   >  >>