للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره في اليوم الحارِّ الشديد الحَرِّ، وإنَّ الرجُلَ ليضَعُ يدَهُ على رأسه من شِدَّة الحَرِّ، وما في القوم أَحدٌ صائم إلَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن رواحة". وفي روايةٍ: إنَّ ذلك كان في شهر رمضان.

لمَّا صبَر الصَّائمون لله في الحَرِّ على شدَّة العطش والظمأِ، أفرَدَ لهم بابًا من أبواب الجنَّة، وهو باب الريَّان؛ من دخله شرِب، ومن شرِب لم يظمأْ بعدَها أبدًا، فإذا دخلوا أُغلِق على مَن بعدَهم فلا يدخلُ منه غيرُهم. وقد تحدُث أحيانًا حوادثُ غيرُ مُعتادةٍ تُذكِّرُ بالنَّار، كالصَّواعق، والرِّيح الحارَّة المحرقة للزرع، قال الله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} (١). وقد روي أن الصَّواعق قِطعةٌ من نارٍ تطير مِن فِي المَلَكِ الَّذي يزجُرُ السَّحاب عند اشْتِدادِ غضَبه. وقال الله تعالى: {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} (٢) والإعصارُ الرِّيح الشديدةُ العاصِفُ التي فيها نارٌ، والصِّرُّ: الرِّيحُ الشَّديدة البَرْدِ. وقد عذَّبَ الله تعالى قومَ شعيبٍ بالظُّلَّةِ، ورُوي أنه أصابَهم حَرٌّ أخَذَ بأنفاسهم، فخرجوا من البيوت إلى الصحراء فأظلَّتْهم سحابةٌ فوَجَدوا لها بَرْدًا، فاجتمعوا تحتها كلُّهم، فأمطرَتْ عليهم نارًا فاحْترقوا كلُّهم (٣). فكل هذه العقوبات بسبب المعاصي، وهي من مقدمات عقوبات جهنم وأنموذجِها.

ومما يدُلُّ على الجنَّة والنار أيضًا ما يُعجِّلُه الله في الدنيا لأهل طاعته وأهل معصيته؛ فإنَّ الله تعالى يُعجِّلُ لأوليائه وأهل طاعته من نفحات نعيمِ الجنَّة ورَوحها ما يجدُونه ويشهدونه بقلُوبهم، ممَّا لا تحيط به عبارة، ولا تحصُره إشارة، حتى قال بعضهم: إنَّه لتمرُّ بي أوقاتٌ أقول: إنْ كان أهلُ الجنَّة في مثل ما أنا فيه فإنهم في عيشٍ طيبٍ. قال أبو سليمان: أهلُ الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم. وقال بعضُهم: الرضا بابُ الله الأعظمُ، وجنةُ الدنيا، ومُستراحُ العابدين. قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (٤). قال


(١) سورة الرعد الآية ١٣.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٦٦.
(٣) في ب، ط: "فأحرقوا"، وفي ع: فأحرقتهم".
(٤) سورة النحل الآية ٩٧.

<<  <   >  >>