للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصبْرٌ عند المصائب، وتَرْكُ المِرَاءِ وأنتَ (١) صادق". وفي كتاب "الزهد" (٢) للإمام أحمد، عن عطاء بن يسار (٣) قال: قال موسى عليه السَّلام: ياربّ! من هم أهلُك الذين هم أهلُك، تُظِلُّهم في ظِلِّ عرشِكَ؟ قال: هم البرِيَّةُ أيديهم، الطاهِرةُ قلوبهم، الذين يتحابُّون لجلالي، الذين إذا ذُكِرْتُ ذُكِروا بي (٤)، وإذا ذُكِرُوا ذُكِرْتُ بذِكْرِهم، الذين يُسْبِغُون الوُضُوءَ في المكاره، ويُنيبون إلى ذكري كما تنيبُ النُّسورُ إلى أوكارها، ويَكلَفُون بحبِّي كما يَكلَفُ الصَّبِيُّ بحبِّ الناس، ويغضبون لمحارمي إذا استُحِلَّتْ كما يغضَبُ النَّمِرُ إذا حَرِبَ (٥).

وقد رُوي عن داود بن رُشَيد، قال: قام (٦) رجل ليلةً باردةً ليتوضأ للصلاة، فأصاب الماءَ باردًا فبكَى، فنودِي: أما ترضَى أنَّا أنمناهم وأقمناك حتّى تبكي علينا؟. خرَّجه ابنُ السمعاني.

معالجةُ الوُضُوء في جَوْف الليل للتهجُّد موجِبٌ لرضا الربِّ، ومباهاةِ الملائكةِ، ففي شِدَّة البرد يتأكَّد ذلك. ففي "المسند" (٧) و"صحيح ابن حبان" عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رجلان من أمَّتي؛ يقوم أحدُهما من الليل فيعالج (٨) نفسَه إلى الطَّهُور وعليه عُقَدٌ، فيتوضأ، فإذا وضَّأَ يديه انحلَّتْ عقدَةٌ، وإذا وضَّأ وجْهَهُ انحلَّت عقدةٌ، وإذا مسَحَ رأسَه انحلَّت عقدَةٌ، وإذا وضَّأ رجليه انحلَّتْ عقدَةٌ؛ فيقولُ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ للذين (٩) وراء الحِجَاب: انظروا إلى عَبْدي هذا يُعَالجُ نفسَه، ما سألني عبدي هذا فهو لَهُ". وفي حديث عطية، عن أبي سعيدٍ، عن


(١) في ش: "وأنت محق". وفي الفردوس والكنز: "وإن كنت محقًا".
(٢) الزهد ص ٩٥.
(٣) في ب، ط: "رضي الله عنه". وهو عطاء بن يسار الهلالي، أبو محمد المدني، ثقة، فاضل، صاحب مواعظ وعبادة، مات سنة ٩٤ هـ، وقيل بعد ذلك. (التقريب ٢/ ٢٣).
(٤) في ب، ط: "ذكروني".
(٥) أي إذا اشتد غضبه.
(٦) في سير أعلام النبلاء ١١/ ١٣٤: حدثنا داود بن رشيد، قال: قمت ليلة أصلي، فأخذني البرد لِما أنا فيه من العُري، فأخذني النوم، فرأيت كأن قائلًا يقول: يا داود، أنمناهم وأقمناك فتبكي علينا؟.
(٧) مسند أحمد ٤/ ١٥٩ و ٢٠١، و"صحيح ابن حبان" ٣/ ٣٢٩ - ٣٣٠ و (١٦٨) موارد. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ١/ ٢٢٤ وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير، وله سندان، رجال أحدهما ثقات". وذكره أيضًا في ٢/ ٢٦٤ وقال: "رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام".
(٨) في آ ش: "يعالج" وهي رواية ثانية.
(٩) في آ، ش، ع: "للذي".

<<  <   >  >>