للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحال، فقالت: ما شأنُك يا سيدي؟ لم تصلّ (١) الليلة كما كنتَ تُصلِّي، وأنت قاعدٌ هنا على هذه الحالة؟ فقال: ويحكِ! إنِّي أَدخلْت يدي في هذه المَطْهَرة فاشتَدَّ عليَّ برْدُ الماء، فذكرْتُ به الزمهرير، فواللهِ ما شعرتُ بشدَّة برْدِه حتَّى وقفْتِ عليَّ، فانْظري، لا تُحدِّثي بهذا أحدًا ما دمتُ حيًّا. فما علِمَ بذلك أَحدٌ حتى مات رحِمه الله. في الحديث الصحيح (٢) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن لجهنم نَفَسَين؛ نَفَسًا في الشتاء، ونَفَسًا في الصيف، فأشَدّ ما تجدون من البرْدِ من زَمهريرها، وأشَدّ ما تجدون مِن الحَرِّ من سَمُومها".

وروي عن ابن عباس، قال: يستغيثُ أهلُ النار من الحَرِّ فيُغاثون بريحٍ باردةٍ يُصَدِّعُ العِظامَ بَرْدُها، فيسألون الحَرَّ. وعن مجاهدٍ، قال: يهربون إلى الزمهرير، فإذا وقَعُوا فيه حَطَّمَ عِظَامَهُم حتى يُسمَعَ لها نَقيضٌ. وعن كعْبٍ، قال: إنَّ في جهنَّم بردًا هو الزَّمهرير، يُسقِطُ اللحمَ حتى يستغيثوا بِحَرِّ جهنَّم.

وعن عبد الملك بن عُميرٍ، قال: بلغني أن أهل النار سألوا خازِنَها أن يخرجَهُم إلى جانبها (٣)، فأُخْرِجوا فقتلهم البَرْدُ والزمهرير، حتى رجعوا إليها فدخلُوها ممَّا وجدوا (٤) من البَرْد، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) جَزَاءً وِفَاقًا} (٥). وقال الله تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} (٦).

قال ابنُ عباس: الغسَّاق: الزَّمْهرير البارِدُ الذي يُحرِقُ مِن بَرْدِه. وقال مجاهد: هو الذي لا يستطيعون أن يذوقوه مِن بردِه. وقيل: إنَّ الغسَّاقَ الباردُ المنتنُ؛ أجارنا اللهُ تعالى من جهنم بفضله وكرمه. يا مَن تتلى عليه أوصافُ جهنَّم، ويشاهِدُ تنفُّسَها كلَّ عامٍ حتى يُحسَّ به ويتألَّمَ وهو مصرٌّ على ما يقتضي دخولها، مع أنَّه يعلم، ستعلم إذا


(١) في ب، ط: "لِمَ لا تصلِّي"، وفي آ: "لِمَ لم تصلِّ"، وفي ش، ع: "لم تصلي".
(٢) أخرجه الشيخان والترمذي وابن ماجه، وقد سبق ذكره وتخريجه في بداية "المجلس الثاني في ذكر فصل الصيف".
(٣) في آ: "جبالها"، وفي ش، ع: "جنباتها".
(٤) في ب، ط: "وجدوه".
(٥) سورة النبأ الآيات ٢٤ - ٢٦.
(٦) سورة ص الآية ٥٧.

<<  <   >  >>