للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رُفع إلى بعض الوزراء الصالحين أن امرأة معها أربعةُ أطفال أيتام وهم عراةٌ جياعٌ، فأمر رجلًا أن يمضيَ إليهم ويحمِلَ معه ما يُصلِحُهم من كسوةٍ وطعامٍ، ثم نزع ثيابَه وحلَفَ: لا لبستها ولا دفيت حتى تعودَ وتخبرني أنك كسوْتهم وأشبَعْتهم، فمضَى وعاد وأخبره أنهم اكتسوا وشبعوا وهو يُرعد من البرد، فلبسَ حينئذٍ ثيابَه، خرَّج الترمذي (١) من حديثِ أبي سعيد مرفوعًا: "من أطعم مؤمنًا على جوعٍ أطعَمَهُ الله يوم القيامة مِن ثمار الجنَّة، ومَن سَقَاهُ على ظمإٍ سقاهُ الله يوم (٢) القيامة من الرَّحيق المختوم، ومَن كَسَاهُ على عُرْيٍ كسَاهُ الله مِن خُضْر الجنة". وروى ابنُ أبي الدنيا (٣) بإسناده، عن ابن مسعودٍ، قال: "يُحشَرُ الناس يومَ القيامة أعْرَى ما كانوا قَطُّ، وأجوَعَ ما كانوا قطُّ، وأظمأَ ما كانوا قطُّ؛ فمن كَسا لله عزَّ وجلَّ كساهُ الله، ومن أطعم لله أطعمَهُ الله، ومَنْ سَقَى لله سقَاهُ اللهُ، ومن عَفَا لله عَفَا (٤) الله عنه".

ومِن فضائل الشتاء أنَّهُ يذكِّر بزمهرير جهنَّم، ويوجب الاستعاذةَ منها.

وفي حديث أبى هريرة وأبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إذا كان يومٌ شديدُ البرد، فإذا قال العَبْدُ: لا إله إلا الله، ما أشَدَّ بَرْدَ هذا اليوم! اللهم، أجِرْني من زمهرير جهنَّم، قال الله تعالى لجهنم: إن عبدًا من عبيدي (٥) استجار بي من زمهريركِ، وإنِّي أُشهِدُكِ أنِّي قد أجَرْته. قالوا: وما زمهريرُ جهنَّم؟ قال: بيت يُلقى فيه الكافر فيتميَّز من شِدَّة برده". قام زُبَيد الياميُّ ذاتَ ليلة للتهجُّد، فعمَدَ إلى مَطْهَرةٍ له كان يتوضأ منها، فغمَسَ يَدَهُ في المَطْهَرة، فوجد الماءَ باردًا شديدًا كاد أن يجمُدَ من شِدَّة برده؛ فذكر الزمهريرَ ويدُه في المَطْهَرة، فلم يُخرِجْها حتى أصبح. فجاءت جاريته وهو على تلك


(١) رواه الترمذي رقم (٢٤٤٩) في صفة القيامة، باب رقم ١٨، وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وقد روي هذا عن عطية عن أبي سعيد موقوفًا، وهو أصح عندنا وأشبه". وبنحوه في "سنن أبي داود" رقم (١٦٨٢) في الزكاة: باب في فضل سقي الماء. وأخرجه المنذرى في "التركيب" ٢/ ٦٦ وقال: "رواه الترمذي واللفظ له، وأبو داود".
(٢) قوله: "يوم القيامة" لم يرد في ب، ط.
(٣) أخرجه المنذري في "الترغيب" ٢/ ٦٦ وقال: "رواه ابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف، موقوفًا على ابن مسعود". ثم ذكر لفظه فيه، وقال: "وروي مرفوعًا بهذا اللفظ".
(٤) في ب، ط: "أعفاه الله".
(٥) في ش، ط: "عبادي".

<<  <   >  >>