للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزيادةِ الكُلْفةِ على الفقراء. وقد روي في حديثٍ مرفوعٍ: أن الملائكة تفرَحُ بذهاب الشتاء؛ لما يدخُلُ فيه على فقراء المؤمنين من الشِّدَّة. ولكن لا يصحُّ إسنادُه. ورُوي أيضًا مرفوعًا: "خيرُ صيفِكُم أشدُّهُ حرًّا، وخيرُ شتائكم أشدُّه بردًا، وإن الملائكة لتبكي في الشتاء رحمةً لبني آدم،. وإسنادُه أيضًا باطل. وقال بعضُ السلف: البَرْدُ عدُوُّ الدِّين. يشير إلى أنَّه يُفتِرُ عن كثيرٍ من الأعمال، ويُثبِّطُ عنها، فتكسَلُ النفوس بذلك. وقال بعضُهم: خُلِقَتِ القلوبُ من طينٍ؛ فهي تلين في الشتاء كما يَلين الطينُ فيه.

قال الحسن: الشِّتاءُ ذَكَرٌ فيه اللّقاحُ، والصَّيفُ أنثى فيه النَّتَاجُ؛ يشيرُ إلى أن الصيف تُنتَجُ فيه المواشي والشجرُ. والصيفُ عند العرب هو الرَّبيع، وأمَّا الذي تسميه الناسُ الصيفَ فالعربُ يسمُّونه القيْظَ. ففي الشتاء تغور الحرارة إلى باطن الشجر فتنعقدُ موادُّ الثمر، فتظهر في الربيع مباديها، فتزهر الشجَرُ، ثم تورِقُ، ثم إذا ظهرت الثمارُ قوِي حَرُّ الشمس؛ لإنضاجها. الإيثارُ في الشتاء للفقراء (١) بما يدفع عنهم البَرْدَ له فَضْلٌ عظيمٌ؛ خَرَج صفوان بن سُليم في ليلةٍ باردةٍ بالمدينة من المسجد، فرأى رجلًا عاريًا، فنزع ثوبَهُ وكساه إياه، فرأى بعضُ أهلِ الشام في منامه أن صفوان بن سُلَيمٍ دخل الجنة بقميصٍ كساهُ، فقدِمَ المدينة، فقال: دلوني على صَفوانَ، فأتاه فقصَّ عليه ما رأى (٢).

رأي مِسْعَرٌ (٣) أعرابيًا يتشرَّق (٤) في الشمس، وهو يقول:

جاء الشتاءُ وليس عندِي دِرْهَمٌ … ولقد يُخصُّ بمثلِ ذاكَ المُسْلِمُ

قد قطع النَّاس الجبابَ وغيرَها … وكأَنني بِفِناءِ مكة مُحرِمُ

فنزع مِسْعَرٌ جبَّته فألبسَهُ إيَّاها.


(١) في ش، ع: "والإيثار للفقراء في الشتاء".
(٢) صفة الصفوة ٢/ ١٥٤.
(٣) هو مِسْعَر بن كِدام بن ظُهَير بن عبيدة، أبو سلمة الهلالي، الكوفي، شيخ العراق، ثقة ثبت فاضل، جمع العلم والورع، توفي سنة ١٥٥ هـ. (سير أعلام النبلاء ٧/ ١٦٣ - ١٧٣).
(٤) أي جلس يستدفئ في الشمس وقت الشروق.

<<  <   >  >>