للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمانَ الأمانَ وِزْرِي ثَقيلُ … وَذُنُوبي إذا عَدَدْتُ تَطُولُ

أَوْبَقَتْنِي وَأَوْثَقَتْنِي ذُنُوبي … فَتُرَى لي إلى الخلاصِ سَبِيلُ

وقوله عزَّ وجلَّ {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (١)، فسَوَّى بين مَن تاب عند الموت ومن مات من غير توبةٍ. والمرادُ بالتوبة عندَ الموت التوبةُ عند انكشافِ الغِطاء، ومعاينةِ المحتضر أمورَ الآخِرة، ومشاهدة الملائكة؛ فإن الإيمان والتوبةَ وسائرَ الأعمال إنَّما تنفع بالغيب، فإذا كُشِفَ الغِطاءُ وصار الغيبُ شهادةً، لم ينفَعِ الإِيمانُ ولا التوبةُ في تلك الحال.

وروى ابنُ أبي الدنيا بإسناده عن علي، قال: "لا يزالُ العبدُ في مَهَلٍ (٢) من التَّوبة ما لم يأتِه مَلَكُ الموت يقبِضُ رُوحَه، فإذا نَزَلَ مَلَكُ الموت فلا توبةَ حينئذٍ". وبإسناده عن الثوري، قال: قال ابنُ عمر: التوبةُ مبسوطةٌ ما لم ينزِلْ سلطانُ الموت.

وعن الحسن، قال: التوبةُ معروضةٌ لابن آدمَ ما لم يأخُذِ الموتُ بِكَظَمِه (٣). وعن بكر المزني، قال: لا تزال التوبةُ للعبد مبسُوطةً ما لم تأتِه الرسُلُ، فإذا عاينَهم انقطعت المعرفة. وعن أبي مِجْلَزٍ (٤)، قال: لا يزال العبدُ في توبةٍ ما لم يعاين الملائكة. وروَى أيضًا في "كتاب الموت" بإسناده عن أبي موسى الأشعري، قال: "إذا عايَنَ الميتُ المَلَكَ ذهبَتِ المعرفةُ". وعن مجاهدٍ نحوه.

وعن حصين، قال: بلغني أن مَلَكَ الموتِ إذا غَمَزَ وَرِيدَ الإِنسان حينئذ يشخَصُ بصرُه، ويذهَلُ عن الناس. وخرَّج ابنُ ماجه (٥) حديثَ أبي موسى الأشعري مرفوعًا، قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: متى تنقطع معرفةُ العبد من الناس؟ قال: "إذا عاين". وفي


(١) سورة النساء الآية ١٨.
(٢) في ش، ع: "مهله".
(٣) أي عند خروج نفْسه وانقطاع نَفَسه، ومنه حديث النَّخعي "له التوبة ما لم يُؤخَذْ بكَظَمِه". (النهاية ٤/ ١٧٨).
(٤) هو لاحق بن حُميد بن سعيد السدوسي البصري، أبو مِجْلَز، مشهور بكنيته، ثقة، مات سنة ١٠٦ وقيل ١٠٩ هـ. (التقريب).
(٥) رقم (١٤٥٣) في الجنائز: باب ما جاء في المؤمن يؤجر في النزع. وفي سنده نصر بن حمَّاد، كذَّبه يحيى بن معين وغيره، ونسبه أبو الفتح الأزدي لوضع الحديث.

<<  <   >  >>