للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالت أم سلمة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر أمره لا يقوم ولا يقعُد ولا يذهَبُ ولا يجيء إلَّا قال: "سبحان الله وبحمْدِه" فذكرْتُ ذلك له، فقال: "إنِّي أُمِرْتُ بذلك، وتلا هذه السورة.

وكان من عادته أن يعتكِفَ في كُلِّ عامٍ في رمضان عشرًا، ويعرِضُ القرآن على جبريلَ مرّةً، فاعتكَفَ في ذلك العام عشرين يومًا، وعرضَ القرآن مرتين، وكان يقولُ: ما أرى ذلك إلَّا لاقتراب أجلي. ثم حَجَّ حجةَ الوَدَاع، وقال للناس: خذوا عنِّي مناسِكَكَم، فلعلِّي لا ألقاكم بعدَ عامي هذا. وطفِقَ يودعُ الناس، فقالوا: هذه حجَّةُ الوَدَاع. ثم رجع إلى المدينة فخطب قبْلَ وصوله إليها، وقال: أيها الناس! إنَّما أنا بشر، يُوشِكُ أن يأتيَني رسولُ ربِّي فأجيبَ. ثم أمَرَ بالتمسُّك بكتاب الله، ثم توفي بعدَ وصوله إلى المدينة بيسير - صلى الله عليه وسلم -. إذا كان سيِّدُ المحسنين يُؤمَرُ أن يختِمَ عمرَه بالزِّيادة في الإحسان، فكيف (١) يكون حالُ المسيء. [دُو بَيْت] (٢).

خُذْ في جِدٍّ فقد تولَّى العُمرُ … كم ذا التفريطُ قَدْ تَدَانَى الأمْرُ

أَقبِلْ فعسَى يُقبَلُ منك العُذْر … كم تبنِي كم تنقُضُ كم ذا الغَدْرُ

مرِض بعضُ العابدين فوُصِف له دواءٌ يشرَبُه، فأُتي في منامه فقيل له: أتشرَبُ الدواءَ والحورُ العينُ لك تُهيَّأ؟ فانتبَهَ فزِعًا، فصلَّى في ثلاثة أيام حتى انحنى صُلْبُه، ثم مات في اليوم الثالث. كان رجل قد اعتزل وتعبَّد، فرأى في منامه قائلًا يقولُ له: يا فلان! ربُّك يدعوك فتجهَّزْ واخْرُج إلى الحجِّ، ولسْتَ عائدًا؛ فخرَجَ إلى الحج فمات في الطريق. رأَى بعضُ الصالحين في منامه قائلًا (٣) يُنشِدُه:

تأهَّبْ للذي لا بُدَّ منهُ … من الموتِ المُوَكَّلِ بالعِبادِ


(١) في ش، ع: "فكيف المسيء المفرط في عمره بالأماني والنسيان".
(٢) زيادة من ب، ط. والدُّوبَيْت: فن من فنون الشعر المعربة الخارجة على وزن أو تركيب البحور الستة عشر، نقل من الفارسية إلى العربية. وهي كلمة من كلمتين، الأول بمعنى اثنين، والثاني بمعناها العربي. ولا يقال منه إلا بيتان بيتان في أي معنى يريده الناظم.
(٣) في ع: "من ينشده"، وفي ش: "من ينشد"، وفي آ: "قائلًا ينشد".

<<  <   >  >>