للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رحمه الله عند موته: اللهم! أمرتنا فعصَيْنا، ونهيتنا فركبنا، ولا يسَعُنا إلَّا عفوُك، لا إله إلَّا الله. ثم ردَّدها حتى مات. وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله عند موته: أجلِسُوني، فأجلَسُوه، فقال: أنا الذي أمرْتَني فقصَّرْتُ، ونهيتني فعصيْتُ، ولكنْ لا إله إلَّا الله، ثم رَفَعَ رأسه فأحَدَّ النظر، فقالوا له: إنك تنظر نظرًا شديدًا يا أميرَ المؤمنين، قال: إنِّي (١) أرى حضرة ما هم بأنسٍ ولا جنٍّ، ثم قُبِضَ رحمةُ الله عليه. وسمِعوا تالِيًا يتلو: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (٢).

يا غافِلَ القَلْبِ عن ذِكْرِ المَنِيَّاتِ … عمَّا قليل سَتَثْوِي بينَ أَمْواتِ

فاذكُرْ مَحَلَّكَ مِن قَبْلِ الحُلُول بهِ … وتُبْ إلى اللهِ مِنْ لهوٍ ولذَّاتِ

إنَّ الحِمام لَهُ وَقْتٌ إلى أَجَلٍ … فاذْكُرْ مَصَائِبَ أيَّامٍ وَسَاعَاتِ

لا تطمئِنَّ إلى الدُّنيا وَزِينتِها … قَدْ حَانَ للموْتِ يا ذا اللبِّ أن يأتي

التَّوْبَةَ التَّوْبَةَ قبل أن يصلَ إليكم من الموت النَّوْبَة، فيحصل المفرط على الندم والخيبة.

الإنابةَ الإنابةَ قبلَ غَلْقِ باب الإِجابة. الإفاقةَ الإفاقةَ؛ فقد قَرُبَ وقْتُ الفاقَة. ما أحسَنَ قَلَقَ التُّوَّاب! ما أَحْلَى قدومَ الغُيَّاب! ما أجمَلَ وقوفَهم بالباب!

أَسَأْتُ ولم أُحْسِنْ وجئتُكَ تائبًا (٣) … وأَنَّى لعبْدٍ من مواليهِ مَهْرَبُ

يُؤمِّلُ غُفرانًا فإنْ خَابَ ظَنُّه … فما أحَدٌ منهُ على الأرضِ أَخْيَبُ

مَن نزل به الشيبُ فهو بمنزلة الحامِل التي تمَّتْ شهورُ حَمْلِها، فما تنتظر إلَّا الولادة، كذلك صاحبُ الشيب لا ينتظر غير الموت؛ فقبيحٌ منه الإصرارُ على الذنب (٤).


(١) في ب، ط: "أتاني حضرة".
(٢) سورة القصص الآية ٨٣.
(٣) ب، ط: "هاريًا".
(٤) بعدها في ش، ع: "حينئذٍ".

<<  <   >  >>