للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيُّ شيءٍ تُرِيدُ منِّي الذُّنوبُ … شَغُفَتْ بي فليس عنِّي تَغِيبُ

ما يَضُرُّ الذُّنوبَ لو أعتقتني … رحمةً بي فقد عَلاني المشيبُ

ولكن توبة الشابّ أحسَنُ وأفضَلُ. في حديث مرفوعٍ خرَّجه ابنُ أبي الدنيا: "إنَّ الله يحبُّ الشاب التائب". قال عُمير (١) بن هانئٍ: تقولُ التوبةُ للشاب: أهلًا ومرحبًا، وتقول للشيخ: نقبَلُكَ على ما كان منك. الشابُ ترك المعصية مع قوَّة الدَّاعي إليها، والشيخُ قد ضعُفت شهوته وقلَّ داعيه فلا يستويان. وفي بعض الآثار، يقول الله عزَّ وجلَّ: أيُّها الشاب، التارك شهوتَه، المبتذِلُ شبابَه لأجلي، أنتَ عندي كبعض ملائكتي. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الذين يشتهون المعاصِي ولا يعملون بها {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (٢). كم بين حال الذي {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} (٣) وبين شيخ عِنَينٍ يُدعَى لمثل ذلك فيجيب.

كان عمر يَعُسُّ (٤) بالمدينة فسمِعَ امرأة غاب عنها زوجُها تقول (٥):

تطاول هذا الليلُ واسْوَدَّ (٦) جانبُهْ … وأرَّقنِي أن لا خَلِيل ألاعِبُهْ

فواللهِ لولا اللهُ لا شيءَ (٧) غيرُهُ … لَحُرِّكَ مِن هذا السَّرير جوانِبُهْ

ولكنَ تَقْوَى اللهِ عَنْ ذا تَصُدُّني … وحِفظًا لِبَعْلِي أن تنالَ مراكبُهْ (٨)

ولكنَّني أَخْشَى رَقيبًا موكّلًا … بأنْفُسِنا لا يَفْتُرُ الدَّهْرَ كاتِبُه (٩)

فقال لها عمر: يرحمك الله! ثم بعث إلى زوجها فأمرَه أَن يقدُمَ عليها، وأمَرَ أن


(١) هو عُمير بن هانئ العبسي الداراني، أبو الوليد الشامي، تابعي ثقة، سمع معاوية وابن عمر وأبا هريرة، وطائفة، وحديثه عن معاوية في الصحيحين. قال له سعيد بن عبد العزيز: أرى لسانك لا يفتر من ذكر الله عزَّ وجلَّ، فكم تسبِّح كل يوم؟ قال: مائة ألف إلا أن تخطئ الأصابع. قتل عمير صبرًا بداريًا أيام فتنة الوليد؛ لأنه كان يحرِّض على قتله، وذلك سنة ١٢٧ هـ. (سير أعلام النبلاء ٥/ ٤٢١، صفة الصفوة ٩/ ٢١٤).
(٢) سورة الحجرات الآية ٣.
(٣) سورة يوسف الآية ٢٣.
(٤) في آ، ش، ع: "ليس المدينة ليلًا".
(٥) الأبيات مع اختلاف في الرواية في "المستظرف" ص ٣٩٧، وتفسير القرطبي ٣/ ١٠٨.
(٦) في آ، ش، ع: "تسري جوانبه".
(٧) في ش، ع: "لا ربَّ".
(٨) هذا البيت لم يرد في آ، ش، ع.
(٩) هذا البيت لم يرد في ب، ط، وهو زيادة من آ، ش، ع.

<<  <   >  >>