للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنَّها زوَّجَتْ بعضَ لُعبِها فأنفقَتْ على وليمةِ عُرسِها مائةَ ألفِ دينارٍ، فما مَضَى إلا قليلٌ حتى رؤيت في سوقٍ من أسواقِ بغدادَ وهي تسألُ النَّاسَ.

[خُلِعَ بعضُ خلفاءِ بني العبَّاسِ وكحّلَ وحُبِسَ ثم أُطلقَ، فاحتاج إلى أن وقف يوم جمعةٍ (١) في الجامع وقال للناس: تصدَّقوا عليَّ فأنا مَن قد عرفْتُم] (٢).

اجتازَ بعضُ الصالحين بدارٍ فيها فَرَحٌ وقائلةٌ تقولُ في غنائها:

أَلَا يا دارُ لا يَدْخُلْكِ حُزْنٌ … وَلَا يُزْري (٣) بصاحبِكِ الزَّمانُ

ثم اجتازَ بها عن قريبٍ وإذا البابُ مُسْوَدٌّ، وفي الدَّارِ بكاءٌ وصُراخٌ، فسأل عنهم، فقيل: مات ربُّ الدَّارِ، فطرَقَ البابَ وقال: سمِعتُ من هذه الدَّارِ قائلةً تقولُ كذا وكذا، فبكَت امرأةٌ وقالت: يا عبدَ اللهِ، إنَّ الله يُغيِّرُ ولا يتغيَّرُ، والموتُ غايةُ كلِّ مَخلوقٍ، فانصرَفَ من عندِهم باكيًا.

بعث أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه في خلافتِه وفدًا إلى اليمن، فاجْتَازُوا في طريقهم بماءٍ من مياهِ العربِ، عندَهُ قصورٌ مَشِيدَةٌ، وهناك مَواشٍ عظيمةٌ، ورَقيقٌ كثيرٌ، ورأوا نِسوةً كثيراتٍ (٤) مجتمعاتٍ في عُرسٍ لهُنَّ، وجاريةٌ بيدها دُفٌّ، وهي تقول:

مَعْشَرَ الحُسَّادِ مُوتُوا كمدا … كذا نَكُونُ ما بَقِينا أبدَا

فنزلُوا بقُربِهم فأكرمَهم سيِّدُ الماءِ، واعتذَرَ إليهم باشتغالِه بالعُرسِ، فدعَوا له وارْتَحَلُوا.

ثم إنَّ بعضَ أولئك الوَفدِ أرسلَهم معاويةُ إلى اليمن، فمرُّوا بالقُرْبِ من ذلك الماءِ، فعَدَلُوا إليه لينزلوا فيه، فإذا القُصورُ المَشِيدةُ قد خَرِبَتْ كلُّها وليسَ هَناك ماءٌ ولا أنيسٌ، ولم يبقَ من تلك الآثارِ إلَّا تَلٌّ خَرابٌ، فذهبُوا إليه، فإذا عجوزٌ عمياءُ تأوِي إلى نَقْبٍ في ذلك التَّلِّ، فسألوها عن أهلِ ذلك الماءِ، فقالت: هَلَكُوا كلُّهم، فسألوها عن


(١) في ع، ش: "الجمعة".
(٢) ما بين قوسين ساقط في (ط).
(٣) في آ، ع: "يودي".
(٤) في ع، ب، ط: "كثيرة".

<<  <   >  >>