للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك العُرسِ المتقدِّم، فقالت: كانت العروسُ أختي، وأنا كنتُ صاحبةَ الدَّفِّ، فطلَبُوا أن يحمِلُوها معهم فأبَتْ، وقالت: عزيزٌ عليَّ أنْ أفارِقَ هذه العِظامَ الباليةَ حتَّى أَصيرَ إلى ما صارَتْ إليه. فبينما هي تُحدِّثهُم إذ مالَتْ فنزَعَتْ نَزْعًا يَسِيرًا ثم ماتَتْ، فدفَنُوها وانطَلَقُوا.

حُمِلَ إلى سُليمانَ بن عَبْدِ الملك في خلافتِه من خُراسانَ ستةُ أحمالِ مسكٍ إلى الشام، فأُدْخِلَتْ على ابنِه أيوبَ، وهو وليُّ عهدِه، فدخَلَ عليه الرسولُ بها في دارِه، فدخل إلى دارٍ بيضاءَ وفيها غِلمانٌ عليهم ثيابٌ بياضٌ (١) وحِليتُهُم فِضَّةٌ، ثم دخلَ إلى دارٍ صفراءَ فيها غلمان عليهم ثيابٌ صفرٌ وحليتهُم الذَّهبُ؛ ثم دخَلَ إلى دارٍ خضراءَ فيها غلمانٌ عليهم ثيابٌ خضرٌ وحليتُهم الزمرّدُ، ثم دخَلَ على أيوبَ وهو وجاريتُهُ على سريرٍ، فلم يَعرِفْ أحدَهما مِن الآخرِ لقُربِ شبَههِما، فوُضِعَ المِسْكُ بين يديه فانتهبَهُ كُلَّه الغِلمانُ، ثم خرَجَ الرسولُ فغابَ بضعةَ عشرَ يومًا، ثم رجعَ فمرَّ بدارِ أيوبَ وهي بلاقِعُ (٢)، فسأل عنهم، فقيل له: أصابَهم الطاعونُ فماتوا.

كان يزيدُ بن عبد الملك، وهو الذي انتهتْ إليه الخلافةُ بعد عمرَ بن عبد العزيز، له جاريةٌ تُسمَّى حَبَابَة، وكان شديدَ الشّغفِ بها، ولم يقدِرْ على تحصيلِها إلَّا بعدَ جُهدٍ شديدٍ، فلمَّا وصلَتْ إليه خَلا بها يومًا في بستانٍ وقد طارَ عقلُه فرحًا بها (٣)، فبينما هو يلاعبُها ويُضاحكُها إذْ رَمَاها بحبَّةِ رُمَّانٍ أو حَبَّةِ عِنَبٍ وهي تضحَكُ، فدخلتْ في فيها فشَرِقَتْ بها فماتَتْ، فما سَمَحَتْ نفسُه بدفنِها حتَّى أراحَتْ (٤)، فعُوتِبَ على ذلك فدفنَها. ويقالُ: إنَّه نبشَها بعدَ دفنِها. ويروى أنه دخَلَ بعد موتِها إلى خزائنها (٥) ومقاصِيرها ومعه جاريةٌ لها، فتمثلت الجارية ببيت (٦):

كَفَى حَزَنًا بالوالِهِ الصَّبِّ أنْ يَرَى … مَنازِلَ مَن يَهْوَى مُعَطَّلةً قَفْرَا

فصاحَ وخَرَّ مغشيًّا عليه، فلم يُفِقْ إلى أن مَضَى هَوِيٌّ (٧) من الليل، ثم أفاقَ فبكَى


(١) في ع: "بيض".
(٢) مكان بَلْقَع: خالٍ. والبَلْقَعَةُ: الأرض القَفْر التي لا شيء بها، وجمعه بلا قع.
(٣) لفظ "بها" ساقط في "آ".
(٤) أراحت: أنتنَتْ.
(٥) في آ: "خزانتها".
(٦) لفظ "ببيت" لم يرد في ع، ش.
(٧) مَضَى هَوِيٍّ من الليل: أي مضى هزيعٌ منه، أو ساعةٌ.

<<  <   >  >>