للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في كتابه (١)، ولكن الصحيح أن العشرَ المقسَمَ به عشرُ ذي الحِجَّةِ (٢)، كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.

وقال أبو عثمان النَّهْدِيّ (٣): كانوا يعظِّمون ثلاثَ عشراتٍ: العشرَ الأخيرَ من رمضان، والعشرَ الأولَ من ذي الحِجَّةِ، والعشرَ الأولَ من المحرَّمِ، وقد وقع هذا في بعض نسخ كتاب "فضائل العشر" (٤) لابن أبي الدُّنيا، عن أبي عثمان، عن أبي ذر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنَّه كان يعظِّمُ هذه العشراتِ الثلاثَ، وليس ذلك بمحفوظٍ. وقد قيل: إنه العشرُ الذي أتمَّ اللهُ به ميقاتَ (٥) موسى عليه السلام أربعينَ ليلةً، وأن التَّكلُّمَ (٦) وقع في عاشرِهِ.

ورُوي عن وَهْب بن منبّهٍ، قال: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن مُرْ قومَكَ أن يتقربوا (٧) إليَّ في أول عشر المحرم، فإذا كان يومُ العاشرِ فليخرجُوا إليَّ أغفِرْ لهم.

وعن قتادة أن الفجرَ الذي أقسمَ الله تعالى به في أوَّل سورةِ الفجر هو فجرُ أولِ يومٍ من المحرَّمِ، تنفجرُ منه السَّنَةُ. ولما كانت الأشهرُ الحرُمُ أفضلَ الأشهرِ بعدَ رمضانَ أو مُطلقًا، وكان صيامُها كلِّها مندوبًا إليه، كما أمر به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان بعضُها ختامَ السَّنةِ الهِلاليَّةِ، وبعضُها مفتاحًا لها، فمن صامَ شهرَ ذِي الحِجَّةِ سِوى الأيام المحرَّم صيامُها منه، وصامَ المحرَّمَ، فقد خَتَمَ السَّنَةَ بالطَّاعة وافْتَتَحَها بالطَّاعة، فيُرْجَى أن تكتبَ له سنتُه كلُّها طاعةً، فإنَّ مَن كان أولُ عملِه طاعةً وآخرُهُ طاعةً، فهو في حكم من استغرقَ بالطاعة ما بين العَمَلَيْن.

وفي حديثٍ مرفوعٍ: "ما من حافِظَيْن يرفعان إلى الله صحيفةً فيرى في أوَّلها


(١) في سورة الحجر الآية ٢؛ قال تعالى: {وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ}.
(٢) وهو قول ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف.
(٣) هو عبد الرحمن بن ملّ، بلام ثقيلة والميم مثلثة، بن عمر بن عدي البصري، مخضرم معمر، أدرك الجاهلية والإِسلام، وغزا في خلافة عمر، وبعدها غزوات، وكان من سادة العلماء العاملين. ثقة ثبت عابد، مات سنة ٩٥ هـ، وقيل بعدها، وعاش مائة وثلاثين سنة، وقيل أكثر.
(٤) منه نسخة خطية في برلين رقم (١٠٢١٣)، وفي دار الكتب، فهرس ج ٧، ٦، ١٠٣، ٢٣٠.
(٥) في سورة الأعراف الآية ١٤٢؛ قال تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً … } الآية.
(٦) في ش، ع: "التكليم".
(٧) في ب، ط: "يتوبوا".

<<  <   >  >>