للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا متوضئ، فإذا طلع الفجرُ نادى بأعلى صوته: "عند الصَّباح يحمَدُ القومُ السُّرَى" (١).

يا نفسُ قُومي فَقَدْ نَامَ الوَرَى … إنْ تَصْنَعِي (٢) الخيرَ فذو العَرْش يَرَى

وأنتِ يا عينُ دعي عنكِ الكَرَى … عندَ الصَّباحِ يحمَدُ القَوْمُ السُّرَى

يا قُوَّامَ الليلِ اشفعوا في النُّوَّامِ، يا أحياءَ القلوبِ ترحَّموا على الأموات. قيل لابن مسعودٍ رضي الله عنه: ما نستطيعُ قيامَ الليل، قالَ: أقعدَتْكُم (٣) ذنوبُكُم. وقيل للحسن: قد أعجزَنا قيامُ الليلِ، قال: قيَّدَتْكُم خطاياكُم. وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدِرْ على قيامِ الليلِ وصيامِ النَّهارِ، فاعلم أنَّكَ محرومٌ [مُكَبَّلٌ] (٤)، كبَّلَتْكَ خطيئتُكَ.

قال الحسن: إنَّ العبدَ لَيُذنبُ الذنبَ فيُحرَمُ به قيامَ الليل. قال بعض السّلف: أذنبْتُ ذنبًا فحُرمْتُ به قيامَ الليل ستةَ أشهرٍ. ما يؤهِّلُ الملوكُ للخلوة بهم إلَّا مَن أخلصَ في ودِّهم ومعاملتِهم، فأمَّا مَن كان مِن أهل المخالفة فلا يُؤهِّلُونه. في بعض الآثار أن جبريلَ عليه السلام ينادي كلَّ ليلةٍ: أَقِمْ فلانًا وأنِمْ فلانًا. قام بعضُ الصالحين في ليلةٍ باردةٍ وعليه ثيابٌ رثةٌ، فضربَهُ البردُ فبكى، فهتَفَ به هاتفٌ: أقمناكَ وأنمناهم، ثم تبكي علينا!

يا حُسْنَهُمْ واللَّيلُ قَدْ جنَّهُم … ونورُهُم يفوقُ نُورَ الأَنْجُمِ

ترنَّموا بالذِّكْر في لَيْلِهِم … فعيشُهُم قدْ طَابَ بالتَّرَنُّمِ

قلوبُهُم للذِّكْر قَدْ تفرَّغَتْ … دُمُوعُهُم كَلُؤلؤٍ مُنظَّم (٥)

أسحارُهُم بهم لَهُمْ قد أشرَقَتْ … وخِلَعُ الغُفْرانِ خَيْرُ القِسَمِ


(١) مثل تجده في كتاب الأمثال لأبي عبيد ١٧٠ و ٢٣١ والفاخر ١٩٣ وأمثال العسكري ٢/ ٤٢ والميداني ٢/ ٣ والزمخشري ٢/ ١٦٨.
(٢) في آ: "واصنعي"، وفي ع: "واصطنعي".
(٣) في آ، ش: "أبعدتكم".
(٤) زيادة من ش، ع.
(٥) في آ، ع: "منتظم".

<<  <   >  >>