ومن كان مرضه مزمنا، ولم يلزمه الفراش؛ فتبرعاته تصح من جميع ماله كتبرعات الصحيح؛ لأنه لا يخاف منه تعجيل الموت؛ فهو كالهرم، وأما إن لزم من به مرض مزمن الفراش؛ فهو كمن مرضه مخوف، لا تصح وصايه إلا في حدود الثلث، ولغير الوارث؛ إلا إذا أجازها الورثة؛ لأنه مريض ملازم للفراش، يخشى عليه التلف.
ويعتبر مقدار الثلث عند موته؛ لأنه وقت لزوم الوصايا، ووقت استحقاقها، فتنفذ الوصايا والعطايا من ثلثه حينئذ، فإن ضاق عنها؛ قدمت العطايا على الوصايا؛ لأنها لازمة في حق المريض، فقدمت على الوصية كالعطية في حال الصحة.
وهناك فروق بين الوصية والعطية:
فقد قال الفقهاء رحمهم الله: إن الوصية تفارق العطية في أربعة أشياء:
أحدهما: أنه يسوى بين المتقدم والمتأخر في الوصية؛ لأنها تبرع بعد الموت، يوجب دفعة واحدة، أما العطية؛ فيبدأ بالأول فالأول فيها؛ لأنها تقع لازمة في حق المعطى.
الثاني: أن المعطى لا يملك الرجوع في العطية بعد قبضها؛ بخلاف الوصية؛ فإن الموصي يملك الرجوع فيها لأنها لا تلزم إلا بالموت.
الثالث: أن العطية يعتبر القبول لها عند وجودها؛ لأنها تملك في الحال؛ بخلاف الوصية؛ فإنها تمليك بعد الموت؛ فاعتبر القبول عند وجود؛ فلا حكم لقبولها قبل الموت.
الرابع: أن العطية يثبت الملك فيها عند قبولها؛ بخلاف الوصية؛ فإنها لا تملك قبل الموت؛ لأنها تمليك بعده؛ فلا تتقدمه