لما أمر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير بنسائه بدأ بي فقال:"إني مخبرك خبرا وما أحب أن تصنعي شيئا حتى تستأمري أبويك " ثم قال: إن الله تعالى قا ل: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} إلى قوله: {مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}[الأحزاب: ٢٨ - ٢٩] فقلت: أوفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلته وإذا فوض الطلاق إليها فالمنصوص أن لها أن تطلق ما لم يتفرقا عن المجلس أو يحدث ما يقطع ذلك وهو قول أبي العباس ابن القاص وقال أبو إسحاق لا تطلق إلا على الفور لأنه تمليك يفتقر إلى القبول فكان القبول فيه على الفور كالبيع وحمل قول الشافعي رحمه الله أنه أراد مجلس الخيار لا مجلس القعود وله أن يرجع فيه قبل أن تطلق وقال أبوعلي ابن خيران ليس له أن يرجع لأنه طلاق معلق بصفة فلم يجز الرجوع فيه كما لو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق وهذا خطأ لأنه ليس بطلاق معلق بصفة وإنما هو تمليك يفتقر إلى القبول يصح الرجوع فيه قبل القبول كالبيع وإن قال لها طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت واحدة وقعت لأن من ملك إيقاع ثلاث طلقات ملك إيقاع طلقة كالزوج إذا بقيت له طلقة طلق ثلاثا وإن قال لوكيله طلق امرأتي جاز أن يطلق متى شاء لأنه توكيل مطلق فلم يقتض التصرف على الفور كما لو وكله في بيع وإن قال له طلق امرأتي ثلاثاً فطلقها طلقة أو قال طلق امرأتي واحدة فطلقها ثلاثاً ففيه وجهان: أحدهما: أنه كالزوجة في المسألتين والثاني: لا يقع لأنه فعل غير ما وكل فيه.
فصل: وتصح إضافة الطلاق إلى جزء من المرأة كالثلث والربع واليد والشعر لأنه لا يتبعض وكان إضافته إلى الجزء كالإضافة إلى الجميع كالعفو عن القصاص وفي كيفية وقوعه وجهان: أحدهما: يقع على الجميع اللفظ لأنه لما لم يتبعض كان تسمية البعض كتسمية الجميع والثاني: أنه يقع على الجزء المسمى ثم يسري لأن الذي سماه هو البعض ولا يجوز إضافته إلى الريق والحمل لأنه ليس بجزء منها وإنما هو مجاور لها وإن قال بياضك طالق أو سوادك طالق أو لونك طالق ففيه وجهان: أحدهما: يقع لأنه من جملة الذات التي لا ينفصل عنها فهو كالأعضاء والثاني: لا يقع لأنها أعراض تحل في الذات.
فصل: ويجوز إضافة الطلاق إلى الزوج بأن يقول لها أنا منك طالق أو يجعل الطلاق إليها فتقول أنت طالق لأنه أحد الزوجين فجاز إضافة الطلاق إليه كالزوجة واختلف أصحابنا في إضافة العتق إلى المولى فمنهم من قال يصح وهو قول أبي علي ابن أبي هريرة لأنه إزالة ملك يجوز بالصريح والكناية فجاز إضافته إلى المالك كالطلاق وقال