لا يجوز تحمل الشهادة وأداؤها إلا عن علم والدليل عليه قوله تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء: ٣٦] وقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف: ٨٦] فأمر الله تعالى أن يشهد عن علم وقوله عز وجل: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ}[الزخرف: ١٩] وهذا الوعيد يوجب التحفظ في الشهادة وأن لا يشهد إلا عن علم وروى طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال: "هل ترى الشمس"؟ قال: نعم قال: "فعلى مثلها فاشهد أودع". وإن كانت الشهادة على فعل كالجناية والغصب والزنا والسرقة والرضاع والولادة وغيرها بما يدرك بالعين لم تجز الشهادة به إلا عن مشاهدة لأنها لا تعلم إلا بها وإن كانت الشهادة على عورة ووقع بصره عليها من غير قصد جاز أن يشهد بما شاهد وإن أراد أن يقصد النظر ليشهد فالمنصوص أنه يجوز وهو قول أبي إسحاق المروزي لأن أبا بكر ونافعاً وشبل بن معبد شهدوا على المغيرة بالزنا عند عمر رضي الله عنه فلم ينكر عمر ولا غيره نظرهم وقال أبو سعيد الإصطخري: لا يجوز أن يقصد النظر لأنه في الزنا مندوب إلى الستر وفي الولادة والرضاع تقبل شهادة النساء فلا حاجة بالرجال إلى النظر للشهادة ومن أصحابنا من قال يجوز في الزنا دون غيره لأن الزاني هتك حرمة الله تعالى بالزنا فجاز أن تهتك حركته بالنظر إلى عورته وفي غير الزنا لم يوجد من المشهود عليه هتك حركته ومنهم من قال يجوز في غير الزنا ولا يجوز في الزنا لأن حد الزنا يبنى على الدرء والإسقاط فلا يجوز أن يتوصل إلى إثباته بالنظر وغيره لم يبن على الدرء والإسقاط فجاز أن يتوصل إلى إثباته بالنظر.
فصل: وإن كانت الشهادة على قول كالبيع والنكاح والطلاق والإقرار لم يجز التحمل فيها إلا بسماع القول ومشاهدة القائل لأنه لا يحصل العلم بذلك إلا بالسماع والمشاهدة وإن كانت الشهادة على ما لا يعلم إلا بالخبر وهو ثلاثة النسب والملك والموت جاز أن يشه فيه بالاستفاضة فإن استفاض في الناس أن فلاناً ابن فلان وأن فلاناً هاشمي أو أموي جاز أن يشهد به لأن سبب النسب لا يدرك بالمشاهدة وإن استفاض في الناس أن هذه الدار وهذا العبد لفلان جاز أن يشهد به لأن أسباب الملك لا