لا يصح عقد الذمة إلا من الإمام أو ممن فوض إليه الإمام لأنه من المصالح العظام فكان إلى الإمام ومن طلب عقد الذمة وهو ممن يجوز إقراره على الكفر بالجزية وجب العقد له لقوله عز وجل:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالله وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ}[التوبة: ٢٩] ثم قال: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٢٩] فدل على أنهم إذا أعطوا الجزية وجب الكف عنهم وروى بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميراً على جيش قال: إذا لقيت عدواً من المشركين فادعهم إلى الدخول في الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وإن أبوا فادعهم الى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم ولا يجوز عقد الذمة إلا بشرطين بذل الجزية والتزام أحكام المسلمين في حقوق الآدميين في العقود والمعاملات وغرامات المتلفات فإن عقد على غير هذين الشرطين لم يصح العقد والدليل عليه قوله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالله وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٢٩] والصغار هو أن تجري عليهم أحكام المسلمين ولا فرق بين الخيابرة وغيرهم في الجزية والذي يدعيه الخيابرة أن معهم كتاباً من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالبراءة من الجزية لا أصل له ولم يذكره أحد من علماء الإسلام وأخبار أهل الذمة لا تقبل وشهادتهم لا تسمع.
فصل: وإن كان أهل الذمة في دار الإسلام أخذوا بلبس الغيار وشد الزنار والغيار أن يكون فيما يظهر من ثيابهم ثوب يخالف لونه لون ثيابهم كالأزرق والأصفر ونحوهما والزنار أن يشدوا في أوساطهم خيطاً غليظاً فوق الثياب وإن لبسوا القلانس جعلوا فيها خرقاً ليتميزوا عن قلانس المسلمين لما روى عبد الرحمن بن غنم في الكتاب الذي كتبه لعمر حين صالح نصارى الشام فشرط أن لا نتشبه بهم في شيء من لباسهم من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر وأن نشد الزنانير في أوساطنا ولأن الله عز وجل أعز الإسلام وأهله وندب إلى أعزاز أهله وأذل الشرك وأهله ونذب إلى إذلال أهله،