إذا شهد الشهود بحث ثم رجعوا عن الشهادة لم يخل إما أن يكون قبل الحكم أو بعد الحكم وقبل الاستيفاء أو بعد الحكم وبعد الاستيفاء فإن كان قبل الحكم لم يحكم بشهادتهم وحكي عن أبي ثور أنه قال يحكم وهذا خطأ لأنه يحتمل أن يكونوا صادقين في الشهادة كاذبين في الرجوع ويجوز أن يكونوا صادقين في الرجوع كاذبين في الشهادة ولم يحكم مع الشك كما لو جهل عدالة الشهود فإن رجعوا بعد لا حكم وقبل الاستيفاء فإن كان في حد أو قصاص لم يجز الاستيفاء لأن هذا الحقوق تسقط بالشبهة والرجوع شبهة ظاهرة فلم يجز الاستيفاء بالشبهة معها وإن كان مالاً أو عقداً فالمنصوص أنه يجوز الاستيفاء ومن أصحابنا من قال: لا يجوز لأن الحكم غير مستقر قبل الاستيفاء وهذا خطأ لأن الحكم نفذ والشبهة لا تؤثر فيه فجاز الاستيفاء وإن رجعوا بعد الحكم والاستيفاء لم ينقض الحكم ولا يجب على المشهود له رد ما أخذه لأنه يجوز أن يكونوا صادقين ويجوز أن يكونوا كاذبين وقد اقترن بأخذ الجائزين الحكم والاستيفاء فلا ينقض برجوع محتمل.
فصل: وإن شهدوا بما يوجب القتل ثم رجعوا نظرت فإن قالوا: تعمدنا ليقتل بشهادتنا وجب علهم القود لما روى الشعبي أن رجلين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل أنه سرق فقطعه ثم أتياه برجل آخر فقالا: إنا أخطأنا بالأول وهذا السارق فأبطل شهادتهما على الآخر وضمنهما دية يد الأول وقال: لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعتكما ولأنهما ألجآه إلى قتله بغير حق فلزمهما القود كما لو أكرهاه على قتله وإن قالوا: تعمدنا الشهادة ولم تعمل أنه يقتل وهم يجهلون قتله وجبت عليهم دية مغلظة لما فيه من العمد ومؤجله لما فيه من الخطأ فإن قالوا: أخطأنا وجبت دية مخففة لأنه خطأ ولا تحمله العاقلة لأنها وجبت باعترافهم فإن اتفقوا أن بعضهم تعمد وبعضهم أخطأ وجب على المخطئ قسطه من الدية المخففة وعلى المتعمد قسطه من الدية المغلظة ولا يجب