وتجوز الشهادة على الشهادة في حقوق الآدميين وفيما لا يسقط بالشبهة من حقوق الله تعالى لأن الحاجة تدعوا إلى ذلك عند تعذر شهادة الأصل بالموت والمرض والغيبة وفي حدود الله تعالى وهو حد الزنا وحد السرقة وقطع الطريق وشرب الخمر قولان: أحدهما: أنه يجوز لأنه حق يثبت بالشهادة فجاز أن يثبت بالشهادة على الشهادة كحقوق الآدميين والثاني: أنه لا يجوز لأن الشهادة على الشهادة تراد لتأكيد الوثيقة ليتوصل بها إلى إثبات الحق وحدود الله تعالى مبنية على الدواء والإسقاط فلم يجز تأكيدها وتوثيقها بالشهادة على الشهادة وما يثبت الشهادة على الشهادة يثبت بكتاب القاضي إلى القاضي وما لا يثبت بالشهادة على الشهادة لا يثبت بكتاب القاضي إلى القاضي لأن الكتاب لا يثبت إلا بتحمل الشهادة من جهة القاضي الكتاتب فكان حكمه حكم الشهادة على الشهادة.
فصل: ولا يجوز الحكم بالشهادة على الشهادة إلا عند تعذر حضور شهود الأصل بالموت أو المرض أو الغيبة لأن شهادة الأصل أقوى لأنها تثبت نفس الحق والشهادة على الشهادة لا تثبت نفس الحق فلم تقبل مع القدرة على شهود الأصل والغيبة التي يجوز بها الحكم بالشهادة على الشهادة أن يكون شاهد الأصل من موضع الحكم على مسافة إذا حضر لم يقدر أن يرجع بالليل إلى منزله فإنه تلحقه المشقة في ذلك وأما إذا كان في موضع إذا حضر أمكنه أن يرع إلى بيته بالليل لم يجز الحكم بشهادة شهود الفرع لأنه يقدر على شهادة شهود الأصل من غير مشقة.
فصل: ولا يقبل في الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي شهادة النساء لأنه ليس بمال ولا المقصود منه المال وهو مما يطلع عليه الرجال فلم يقبل فيه شهادة النساء كالنكاح.
فصل: ولا يقبل إلا من عدد لأنه شهادة فاعتبر فيها العدد كسائر الشهادات وإن كان شهود الأصل اثنين فشهد على أحدهما: شاهدان وعلى الآخر شاهدان جاز لأنه يثبت قول كل واحد منهما بشاهدين وإن شهد واحد على شهادة أحدهما: وشهد الآخر على شهادة الثاني لم يجز لأنه إثبات قول اثنين فجاز بشاهدين كالشهادة على إقرار نفسين والثاني: أنه لا يجوز وهو اختيار المزني رحمه الله تعالى لأنهما قاما في التحمل مقام شاهد واحد في حق واحد فإذا شهدا فيه على الشاهد الآخر صارا كالشاهد إذا شهد بالحق مرتين وإذا كان شهود الأصل رجلاً وامرأتين قبل في أحد القولين شهادة اثنين على شهادة كل واحد منهم ولا يقبل في الآخر إلا ستة يشهد كل اثنين على شهادة واحد منهم،