فصل: وإن لم يطلقها ولم يطأها حتى انقضت المدة نظرت فإن لم يكن عذر يمنع الوطء ثبت لها المطالبة بالفيئة أو الطلاق لقوله عز وجل: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: ٢٢٦ - ٢٢٧] وإن كانت الزوجة أمة لم يجز للمولى المطالبة وإن كانت مجنونة لم يكن ثوابها المطالبة لأن المطالبة بالطلاق أو الفيئة طريقها الشهوة فلا يقوم الولي فيه مقامها والمستحب أن يقول له في المجنونة اتق الله في حقها فإما أن تفيء إليها أو تطلقها وإن ثبت لها المطالبة فعفت عنها الزوجة جاز لها أن ترجع وتطالب لأنها إنما ثبت لها المطالبة لدفع الضرر بترك الوطء وذلك يتجدد مع الأحوال فجاز لها الرجوع كما لو أعسر بالنفقة فعفت عن المطالبة بالفسخ وإن طولب بالفيئة فقال أمهلوني ففيه قولان: أحدهما: يمهل ثلاثة أيام لأنه قريب والدليل عليه قوله عز وجل: {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود: ٦٤ - ٦٥] ولهذا قدر به الخيار في البيع والثاني: يمهل قدر ما يحتاج إليه للتأهب للوطء فإن كان ناعساً أمهل إلى أن ينام وإن كان جائعا أمهل إلى أن يأكل وإن كان شبعانا أمهل إلى أن يخف وإن كان صائماً أمهل إلى أن يفطر لأنه حق حمل عليه وهو قادر على أدائه فلم يمهل أكثر من قدر الحاجة كالين الحال.
فصل: وإن وطئها في الفرج فقد أوفاها حقها ويسقط الإيلاء وأدناه أن تغيب الحشفة في الفرج لأن أحكام الوطء تتعلق به وإن وطئها في الموضع المكروه أو وطئها فيما دون الفرج لم يعتد به لأن الضرر لا يزول إلا بالوطء في الفرج فإن وطئها في الفرج فإن كانت اليمين بالله تعالى فهل تلزمه الكفارة فيه قولان: قال في القديم: لا تلزمه لقوله عز وجل: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ} فعلق المغفرة بالفيئة فدل على أنه استغنى عن الكفارة وقال في الجديد: تلزمه الكفارة وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" ١. ولأنه حلف بالله تعالى وحنث فلزمته الكفارة كما لو حلف على ترك صلاة فصلاها واختلف أصحابنا في موضع القولين فمنهم من قال القولان فيمن جامع وقت المطالبة فأما إذا وطئ في مدة
١ رواه مسلم في كتاب الأيمان حديث ١١، ١٣. الترمذي في كتاب النذور باب ٦. النسائي في كتاب الأيمان باب ١٥، ١٦. ابن ماجه في كتاب الكفارات باب ٧. الموطأ في كتاب النذور حديث ١١. أحمد في مسنده ٤/٢٥٦.