يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} وروت خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول: "اتق الله فإنه ابن عمك" فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الله} الآية فقال: "يعتق رقبة" فقلت: لا يجد قال: "فليصم شهرين متتابعين" قلت: يا رسول الله شيخ كبير ما به صيام قال: " فليطعم ستين مسكيناً" قلت: يا رسول الله ما عنده شيء يتصدق به قال: "فأتى بعرق من تمر" قلت: يا رسول الله وأنا أعينه بعرق آخر قال: "قد أحسنت فاذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك". فإن كان له مال يشتري به رقبة فاضلاً عما يحتاج إليه لقوته ولكسوته ومسكنه وبضاعة لا بد له منها وجب عليه العتق وإن كان له رقبة لا يستغني عن خدمتها بأن كان كبيراً أو مريضاً أو ممن لا يخدم نفسه لم يلزمه صرفها في الكفارة لأن ما يستغرقه حاجته كالمعدوم في جواز الإنتقال إلى البدل كما نقول فيمن معه ماء يحتاج إليه للعطش وإن كان ممن يخدم نفسه ففيه وجهان: أحدهما: يلزمه العتق لأنه مستغن عنه والثاني: لا يلزمه لأن ما من أحد إلا ويحتاج إلى الترفه والخدمة وإن وجبت عليه كفارة وله مال غائب إن كان لا ضرر عليه في تأخير الكفارة ككفارة القتل وكفارة الوطء في رمضان لم يجز أن ينتقل إلى الصوم لأنه قادر على العتق من غير ضرر فلا يكفر بالصوم كما لو حضر المال وإن كان عليه ضرر في تأخير الكفارة ككفارة الظهار ففيه وجهان: أحدهما: لا يكفر بالصوم لأن له مالاً فاضلاً عن كفايته يمكنه أن يشتري به رقبة فلا يكفر بالصوم كما نقول في كفارة القتل والثاني: له أن يكفر بالصوم لأن عليه ضرراً في تحريم الوطء إلى أن يحضر المال فجاز له أن يكفر بالصوم.
فصل: وإن اختلف حاله من حين وجبت الكفارة إلى حين الأداء ففيه ثلاثة أقوال: أحدهما: أن يعتبر حال الأداء لأنها عبادة لها بدل من غير جنسها فاعتبر فيها حال الأداء كالوضوء والثاني: يعتبر حال الوجوب لأنه حق يجب على وجه التطهير فاعتبر فيه حال الوجوب كالحد والثالث يعتبر أغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى حين الأداء فأي وقت قدر على العتق لزمه لأنه حق يجب في الذمة بوجود المال فاعتبر فيه أغلظ الأحوال كالحجج.
فصل: ولا يجزئ في شيء من الكفارات إلا رقبة مؤمنة لقوله عز وجل: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}[النساء: ٩٢] فنص في كفارة القتل على رقبة مؤمنة وقسنا عليها سائر الكفارات.