وإن أراد أن يكفر بالمال قبل الحنث نظرت فإن كان الحنث بغير معصية جاز تقديم الكفارة لأنه حق مال يتعلق بسببين يختصانه فإذا وجد أحدهما: جاز تقديمه على الآخر كالزكاة قبل الحول وإن كان الحنث بمعصية والثاني: يجوز لما ذكرناه والثاني: لا يجوز لأنه يتوصل به إلى معصية واختلف أصحابنا في كفارة الظهار قبل العود وكفارة القتل بعد الجرح وقبل الموت فمنهم من قال فيه وجهان كما قلنا في اليمين على معصية ومنهم من قال يجوز لأنه ليس فيه توصل إلى معصية وإن كان يكفر بالصوم لم يجز قبل الحنث لأنها عبادة تتعلق بالبدن لا حاجة به إلى تقديمها فلم يجز تقديمها على الوجوب كصوم رمضان.
فصل: وإن أراد أن يكفر بالعتق لم يجز إلا بما يجوز في الظهار وقد بيناه وإن أراد أن يكفر بالإطعام أطعم كل مسكين مدا كما يطعم في الظهار وقد بيناه.
فصل: وإن أراد أن يكفر بالكسوة كسا كل مسكين ما يقع عليه اسم الكسوة من قميص أو سراويل أو إزار أو رداء أم مقنعة أو خمار لأن الشرع ورد به مطلقا ولم يقدر فحمل على ما يسمى كسوة في العرف وهل يجزئ فيه القلنسوة ففيه وجهان: أحدهما: لا يجزئه لأنه لا يطلق عليه اسم الكسوة والثاني: أنه يجزئه وهو قول أبي إسحاق المروزي لما روي أن رجلاً سأل عمران بن الحصين عن قوله تعالى: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ}[المائدة: ٨٩] قال لو أن وفداً قدموا على أميركم هذا فكساهم قلنسوة قلنسوة قلتم قد كسوا ولا يجزئ الخف والنعل والمنطقة والتكة لأنه لا يقع عليه اسم الكسوة ويجزئ الكساء والطيلسان لأنه من الكسوات ويجوز ما اتخذ من القطن والكتان والشعر والصوف والخز وأما الحرير فإنه إن أعطاه للمرأة أجزأه وهل يجوز أن يعطي رجلاً ففيه وجهان: أحدهما: لا يجزئ لأنه يحرم عليه لبسه والثاني: يجزئه وهو الصحيح لأنه يجوز أن يعطي الرجال كسوة النساء والنساء كسوة الرجال ويجوز فيه الخام والمقصور والبياض والمصبوغ فأما الملبوس فإنه إن ذهبت قوته لم يجزه وإن لم تذهب قوته أجزأه كما تجزئه الرقبة إذا لم تبطل منفعتها ولا تجزئه إذا بطلت منفعتها.
فصل: وإن أراد أن يكفر بالصيام ففيه وجهان: أحدهما: لا يجوز إلا متتابعاً لأنه كفارة جعل الصوم فيها بدلاً عن العتق فشرط في صومها التتابع ككفارة الظهار والقتل والثاني: أنه يجوز متتابعا ومتفرقا لأنه صوم نزل به القرآن مطلقاً فجاز متفرقا ومتتابعا كالصوم في فدية الأذى.