كنيسة ولا صومعة راهب وهل يجوز إقرارهم على ما كان منها قبل الفتح ينظر فيه فإن كان في بلد فتح صلحاً واستثنى فيه الكنائس والبيع جاز إقرارهما لأنه إذا جاز أن يصالحوا على أن لنا النصف ولهم النصف جاز أن يصالحوا على أن لنا البلد إلا الكنائس والبيع وإن كان في بلد فتح عنوة أو فتح صلحاً ولم تستثن الكنائس والبيع ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يجوز كما لا يجوز إقرار ما أحدثوا بعد الفتح والثاني: أنه يجوز لأنه لما جاز إقرارهم على ما كانوا عليه من الكفر جاز إقرارهم على ما يبنى للكفر وما جاز تركه من ذلك في دار الإسلام إذا انهدم فهل يجوز إعادته؟ فيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي سعيد الإصطخري وأبي علي بن أبي هريرة أنه لا يجوز لما روى كثير بن مرة قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبنى الكنيسة في دار الإسلام ولا يجدد ما خرب منها". وروى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر بن الخطاب على نصارى الشام ولا يجدد ما خرب منها ولأنه بناء كنيسة في دار الإسلام فمنع منه كما لو بناها في موضع آخر والثاني: أنه يجوز لأنه لما جاز تشييد ما تشعب منها جاز إعادة ما انهدم وإن عقدت الذمة في بلد لهم ينفردون به لم يمنعوا من إحداث الكنائس والبيع والصوامع ولا من إعادة ما خرب منها ولا يمنعون من إظهار الخمر والخنزير والصليب وضرب الناقوس والجهر بالتوراة والإنجيل وإظهار ما لهم من الأعياد ولا يؤخذون بلبس الغيار وشد الزنانير لأنهم في دار لهم فلم يمنعوا من إظهار دينهم فيه.
فصل: ويجب على الإمام الذب عنهم ومنع من يقصدهم من المسلمين والكفار واستنقاذ من أسر منهم واسترجاع ما أخذ من أموالهم سواء كانوا مع المسلمين أو كانوا منفردين عنهم في بلد لهم لأنهم بذلوا الجزية لحفظهم وحفظ أموالهم فإن لم يدفع حتى مضى حول لم تجب الجزية عليهم لأن الجزية للحفظ وذلك لم يوجد فيه يجب ما في مقابلته كما لا تجب الأجرة إذا لم يوجد التمكين من المنفعة وإن أخذ منهم خمر أو خنزير لم يجب استرجاعه لأنه يحرم فلا يجوز اقتناؤه في الشرع فلم تجب المطالبة به.
فصل: وإن عقدت الذمة بشرط أن يمنع عنهم أهل الحرب نظرت فإن كانوا مع المسلمين أوفي موضع إذا قصدهم أهل الحرب كان طريقهم على المسلمين لم يصح العقد لأنه عقد على تمكين الكفار من المسلمين فلم يصح وإن كانوا منفردين عن