فصل: وإن هاجر منهم رجل مسلم فإن كان له عشيرة تمنع عنه جاز له العود إليهم والأفضل أن لا يعود وقد بينا ذلك في أول السير فإن عقد الهدنة على رده واختار العود لم يمنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأبي جندل وأبي بصير في العود وإن اختار المقام في دار الإسلام لم يمنع لأنه لا يجوز إجبار المسلم على الانتقال إلى دار الشرك وإن جاء من يطلبه قلنا للمطالب إن قدرت على رده لم نمنعك منه وإن لم تقدر لم نعنك عليه ونقول للمطلوب في السر إن رجعت إليهم ثم قدرت أن تهرب منهم وترجع إلى دار الإسلام كان أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد أبا بصير فهرب منهم وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: قد وفيت لهم ونجاني الله منهم.
فصل: ومن أتلف منهم على مسلم مالاً وجب عليه ضمانه وإن قتله وجب عليه القصاص وإن فدفه وجب عليه الحد لأن الهدنة تقتضي أمان المسلمين في النفس والمال والعرض فلزمهم ما يجب في ذلك ومن شرب منهم الخمر أوزنى لم يجب عليه الحد لأنه حق الله تعالى ولم يلتزم بالهدنة حقوق الله تعالى فإن سرق مالاً لمسلم ففيه قولان: أحدهما: أنه لا يجب عليه القطع لأنه حد خالص لله تعالى فلم يجب عليه كحد الشرب والزنا والثاني: أنه يجب عليه لأنه حد يجب لصيانة حق الآدمي فوجب عليه كحد القذف.
فصل: إذا نقض أهل الهدنة عهدهم بقتال أو مظاهرة عدو أو قتل مسلم أو أخذ مال انتقضت الهدنة لقوله عز وجل: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} فدل على أنهم إذا لم يستقيموا لنا لم نستقم لهم لقوله عز وجل: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}[التوبة: ٤] فدل على أنهم إن ظاهروا عليكم أحداً لم تتم إليهم عهدهم ولأن الهدنة تقتضي الكف عنا فانتقضت بتركة ولا يفتقر نقضها إلى حكم الإمام بنقضها لأن الحكم إنما يحتاج إليه في أمر محتمل وما تظاهروا به لا يحتمل غير نقض العهد وإن نقض بعضهم وسكت الباقون ولم ينكروا ما فعل الناقض انتقضت الهدنة في حق الجميع والدليل عليه أن ناقة صالح عليه السلام عقرها القدار العيزار بن سالف وأمسك عنها القوم فأخذهم الله تعالى جميعهم به فقال الله عز وجل: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}[الشمس: ١٤] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وادع بني قريظة وأعان بعضهم أبا سفيان بن حرب على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وقيل: إن الذي أعان منهم حيي بن أخطب وأخوه