اليد اليمنى والرجل اليسرى لأخذ المال ولا يوالي بينهما لأنهما عقوبتان مختلفتان فلا تجوز الموالاة بينهما وإن قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وأخذ المال وقلنا إن القصاص يتحتم نظرت فإن تقدم أخذ المال سقط القطع الواج بسببه لأنه يجب تقديم القصاص عليه لتأكد حق الآدمي وإذا قطع للآدمي زال ما تعلق الوجوب به لأخذ المال فسقط وإن تقدمت الجناية لم يسقط الحد لأخذ المال فتقطع يده اليسرى ورجله اليمنى لأنه استحق بالجناية فيصير كمن أخذ المال وليس له يد يمنى ولا رجل يسرى فتعلق باليد اليسرى والرجل اليمنى.
فصل: وإن تاب قاطع الطريق بعد القدرة عليه لم يسقط عنه شيء مما وجب عليه من حد المحاربة لقوله عز وجل: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة: ٣٤] فشرط في العفو عنهم أن تكون التوبة قبل القدرة عليهم فدل على أنهم إذا تابوا بعد القدرة لم يسقط عنهم وإن تاب قبل القدرة عليه سقط عنه ما يختص بالمحاربة وهو انحتام القتل والصلب وقطع الرجل للآية وهل يسقط قطع اليد فيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة إنه يسقط لأنه قطع عضو وجب بأخذ المال في المحاربة فسقط بالتوبة قبل القدرة كقطع الرجل والثاني: وهو قول أبي إسحاق أنه لا يسقط لأنه قطع يد لأخذ المال فلم يسقط بالتوبة قبل القدرة كقطع السرقة.
فصل: فأما الحد الذي لا يختص بالمحاربة ينظر فيه فإن كان للآدمي وهو حد القذف لم يسقط بالتوبة لأنه حق للآدمي فلم يسقط بالتوبة كالقصاص وإن كان لله عز وجل وهو حد الزنا واللواط والسرقة وشرب الخمر ففيه قولان: أحدهما: أنه لا يسقط بالتوبة لأنه حد لا يختص بالمحاربة فلم يسقط بالتوبة كحد القذف والثاني: أنه يسقط وهو الصحيح والدليل علي قوله عز وجل في الزنا: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ الله كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً}[النساء: ١٦] وقوله تعالى في السرقة: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة: ٣٩] وقوله صلى الله عليه وسلم: "التوبة تجب