ماء طاهر لاقى محلاً طاهراً فكان طاهراً كما لو غسل به ثوب طاهر وهل تجوز به الطهارة أم لا؟ فيه طريقان: من أصحابنا من قال: فيه قولان المنصوص أنه لا يجوز لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء فصار كما لو تغير بالزعفران وروي عنه أنه قال: يجوز الوضوء به لأنه استعمال لم يغير صفة الماء فلم يمنع الوضوء به كما لو غسل به ثوب طاهر ومن أصحابنا من لم يثبت هذه الرواية فإن قلنا لا يجوز الوضوء به فهل تجوز إزالة النجاسة به أم لا؟ فيه وجهان: قال أبو القاسم الأنماطي وأبو علي بن خيران رحمة الله عليهما: يجوز لأن للماء حكمين رفع الحدث وإزالة النجس فإذا رفع الحدث بقي عليه إزالة النجس والمذهب أنه لا يجوز لأنه ماء لا يرفع الحدث فلم يزل النجس كالماء النجس فإن جمع الماء المستعمل حتى صار قلتين ففيه وجهان: أحدهما: أنه يزول حكم النجاسة ولأنه لو توضأ فيه أو اغتسل وهو قلتان لم يثبت له حكم الاستعمال فإذا بلغ قلتين وجب أن يزول عنه حكم الاستعمال ومن أصحابنا من قال: لا يزول لأن المنع منه لكونه مستعملاً وهذا لا يزول بالكثرة وإن استعمل في نقل الطهارة كتجديد الوضوء والدفعة الثانية والثالثة ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا تجوز الطهارة لأنه مستعمل في طهارة فهو كالمستعمل في رفع الحدث والثاني: أنه يجوز لأنه ماء لم يرفع به حدث ولا نجس فهو كما لو غسل به ثوب طاهر.
فصل: وأما المستعمل في النجس فينظر فيه فإن انفصل من المحل متغيراً فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم "الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه١" وإن كان غير متغير ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه طاهر وهو قول أبي العباس وأبي إسحاق لأنه ماء لا يمكن حفظه من النجاسة فلم ينجس من غير تغير كالماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة
والثاني: أنه ينجس وهو قول بي القاسم الأنماطي لأنه ماء قليل لا في نجاسة فأشبه ما إذا وقعت فيه نجاسة
والثالث: أنه إن انفصل والمحل طاهر فهو طاهر وإن انفصل والمحل نجس فهو نجس وهو قول أبي العباس ابن القاص لأن المنفصل من جملة الباقي في المحل فكان حكمه في النجاسة والطهارة حكمه فإذا قلنا إنه طاهر فهل يجوز الوضوء به؟ فيه وجهان قال أبو علي بن خيران يجوز وقال سائر أصحابنا لا يجوز وقد مضى توجيههما.