للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال عمر اقتص قال لا أقتص قال فاعف قال لا أعفوا فافترقا على ذلك ثم لقيه عمر من الغد فتغير لون عمر فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين أرى ما كان مني قد أسرع فيك قال: أجل قال: فاشهد إني قد عفوت عنك وإن لم يقدر على صاحب الحق نوى أنه إن قدر أوفاه حقه وإن تعلق بالمعصية حد لله تعالى كحد الزنا والشرب فإن لم يظهر ذلك فالأولى أن يستره على نفسه لقوله عليه السلام: "من أتى من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله تعالى فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله" ١. وإن أظهره لم يأثم لأن ماعزاً والغامدية اعترفا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزنا فرجمهما ولم ينكر عليهما وأما التوبة في الظاهر وهي التي تعود بها العدالة والولاية وقبول الشهادة فينظر في المعصية فإن كانت فعلاً كالزنا والسرقة لم يحكم بصحة التوبة حتى يصلح عمله مدة لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} وقدر أصحابنا المدة بسنة لأنه لا تظهر صحة التوبة في مدة قريبة فكانت أولى المدد بالتقدير سنة لأنه تمر فيها الفصول الأربعة التي تهيج فيها الطبائع وتغير فيها الأحوال وإن كانت المعصية بالقول فإن كانت ردة فالتوبة منها أن يظهر الشهادتين وإن كانت قذفا فقد قال الشافعي رحمه الله: التوبة منه إكذابه نفسه واختلف أصحابنا فيه فقال أبو سعيد الإصطخري رحمه الله: هو أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله ووجهه ما روي عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "توبة القاذف إكذابه نفسه" وقال أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة هو أن يقول: قذفي له كان باطلاً ولا يقول إني كنت كاذباً لجواز أن يكون صادقاً فيصير بتكذيبه نفسه عاصياً كما كان بقذفه عاصياً ولا تصح التوبة منه إلا بإصلاح العمل على ما ذكرناه في الزنا والسرقة فأما إذا شهد عليه بالزنا ولم يتم العدد فإن قلنا إنه لا يجب عليه الحد فهو على عدالته ولا يحتاج إلى التوبة وإن قلنا إنه يجب عليه الحد وجبت التوبة وهو أن يقول ندمت على ما فعلت ولا أعود إلى ما أتهم به فإذا قال هذا عادت عدالته ولا يشترط فيه إصلاح العمل لأن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكرة: تب أقبل شهادتك وإن لم يتب لم تقبل شهادته ويقبل خبره لأن أبا بكرة ردت شهادته وقبلت أخباره وإن


١ رواه مالك في الموطأ في كتاب الحدود حديث ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>