لما روى عمرو بن حبيب القاضي قال: حججت مع أبي جعفر فلما قدم المدينة قال ائتوني بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعايره فوجده خمسة أرطال وثلثاً برطل أهل العراق.
فصل: وفي الحب الذي يخرجه ثلاثة أوجه: أحدها أنه يجوز من كل قوت لما روى أبو سعيد الخدري قال: كنا نخرج صاعاً من طعام أو صاعاً من أقط أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب ومعلوم أن ذلك كله لم يكن قوت أهل المدينة فدل على أنه مخير بين الجميع وقال أبو عبيد بن حرب: تجب من غالب قوته وهو ظاهر النص لأنه لما وجب أداء ما فضل عن قوته وجب أن تكون من قوته وقال أبو العباس وأبو إسحاق: تجب من غالب قوت البلد لأنه حق يجب في الذمة تعلق بالطعام فوجب من غالب قوت البلد كالطعام في الكفارة فإن عدل عن قوت البلد إلى قوت بلد آخر نظرت فإن كان الذي انتقل إليه أجود أجزأه وإن كان دونه لم يجزه فإن كان أهل البلد يقتاتون أجناساً مختلفة ليس بعضها بأغلب من بعض فالأفضل أن يخرج من أفضلها لقوله عز وجل {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران:٩٢] ومن أيها أخرج أجزأه وإن كان في موضع قوتهم الأقط ففيه طريقان: قال أبو إسحاق يجزئه قولاً واحداً لحديث أبي سعيد وقال القاضي أبو حامد فيه قولان: أظهرهما أنه يجزئه للخبر والثاني لا يجزئه لأنه لا تجب فيه الزكاة فأشبه اللحم فإذا قلنا يجزئه فأخرج اللبن أجزأه لأنه أكمل منه ولأنه يجيء منه الأقط وغيره وإن أخرج الجبن جاز لأنه مثله وإن أخرج المصل لم يجزه لأنه أنقص من الأقط لأنه لبن منزوع الزبد وإن كان في موضع لا قوت فيه أخرج من قوت أقرب البلاد إليه فإن كان بقربه بلدان متساويان في القوت أخرج من قوت أيهما شاء ولا يجوز في فطرة واحدة أن يخرج من جنسين لأن ما خير فيه بين جنسين لم يجز أن يخرج من كل واحد منهما بعضه ككفارة اليمين لا يجوز أن يطعم خمسة ويكسو خمسة فإن كان عبد بين نفسين في بلدين قوتهما مختلف ففيه ثلاثة أوجه: أحدها لا يجوز أن يخرج كل واحد منهما من قوته بل يخرجان من أدنى القوتين وقال أبو إسحاق يجوز أن يخرج كل واحد منهما نصف صاع من قوته لأن كل واحد