عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:١٨٧] فإن جامع في الفرج ذاكراً للاعتكاف عالماً بالتحريم فسد اعتكافه لأنه أحد ما ينافي الاعتكاف فأشبه الخروج من المسجد وإن باشر فيما دون الفرج بشهوة أو قبل بشهوة ففيه قولان: قال في الإملاء يبطل وهو الصحيح لأنها مباشرة محرمة في الاعتكاف فبطل بها كالجماع وقال في الأم لا يبطل لأنها مباشرة لا تبطل الحج فلم تبطل الاعتكاف كالقبلة بغير شهوة وقال أبو إسحاق لو قال قائل إنه لو أنزل بطل وإن لم ينزل لم تبطل كالقبلة في الصوم كان مذهباً وهذا قول لم يذهب إليه أحد من أصحابنا ويخالف الصوم فإن القبلة فيه لا تحرم على الإطلاق فلم تبطل على الإطلاق والقبلة في الاعتكاف محرمة على الإطلاق فأبطلته على الإطلاق.
فصل: ويجوز أن يباشر من غير شهوة ولا يبطل اعتكافه لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدني إلي رأسه لأرجله فإن باشر ناسياً لم يبطل اعتكافه لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه١" ولأن كل عبادة أبطلتها مباشرة العامد لم تبطلها مباشرة الناسي كالصوم وإن باشر وهو جاهل بالتحريم لم يبطل لأن الجاهل كالناسي وقد بينا ذلك في الصلاة والصوم.
فصل: ويجوز للمعتكف أن يلبس ما يلبسه في غير الاعتكاف لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف ولم ينقل أنه غير شيئاً من ملابسه ولو فعل لنقل ويجوز أن يتطيب لأنه لو حرم التطيب عليه لحرم ترجيل الشعر كالأحرام وقد روت عائشة رضي الله عنها أنها كانت ترجل شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف فدل على أنه لا يحرم عليه التطيب ويجوز أن يتزوج ويزوج لأنها عبادة لا تحرم الطيب فلا تحرم النكاح كالصوم ويجوز أن يقرأ القرآن ويقرئ غيره ويدرس العلم ويدرس غيره لأن ذلك كله زيادة خير لا يترك به شرط من شروط الاعتكاف ويجوز أن يأمر بالأمر الخفيف في ماله وضيعته ويبيع ويبتاع لكنه لا يكثر منه لأن المسجد ينزه عن أن يتخذ موضعاً للبيع والشراء فإن أكثر من ذلك كره لأجل المسجد ولم يبطل به الاعتكاف وقال في القديم: إن فعل ذلك والاعتكاف منذور رأيت أن يستقبله ووجهه أن الاعتكاف هو حبس النفس على الله عز وجل فإذا أكثر من البيع والشراء صار قعوده في المسجد للبيع والشراء لا للاعتكاف والصحيح أنه لا يبطل والأول مرجوع عنه لأن ما لا يبطل قليله الاعتكاف لم يبطل كثيره كالقراءة والذكر.