فأدخل المسح بين الغسلين وقطع النظر عن النظير فدل على أنه قصد إيجاب الترتيب ولأنها عبادة تشتمل على أفعال متغايرة يرتبط بعضها ببعض فوجب فيها الترتيب كالصلاة والحج فإن غسل أربعة أنفس أعضاءه الأربعة دفعة واحدة لم يجزه إلا غسل الوجه لأنه لم يرتب وإن اغتسل وهو محدث من غير ترتيب ونوى الوضوء ففيه وجهان: أحدهما أنه يجزئه لأنه إذا جاز ذلك عن الحدث الأعلى فلأن يجوز عن الحدث الأدنى أولى والثاني لا يجزئه وهو الأصح لأنه أسقط ترتيباً واجباً بفعل ما ليس بواجب.
فصل: ويوالي بين أعضائه وإن فرق تفريقاً يسيراً لم يضر لأنه لا يمكن الاحتراز منه وإن فرق تفريقاً كثيراً وهو بقدر ما يجف الماء على العضو في زمان معتدل ففيه قولان: قال في القديم: لا يجزيه لأنه عبادة يبطلها الحدث فأبطلها التفريق كالصلاة وقال في الجديد: يجزيه لأنه عبادة لا يبطلها التفريق القليل فلا يبطلها التفريق الكثير كتفرقة الزكاة فإذا قلنا إنه يجوز فهل يلزمه استئناف النية؟ وفيه وجهان: أحدهما أنه يلزمه لأنها انقطعت بطول الزمان والثاني لا يستأنف لأنه لم يقطع حكم النية فلم يلزمه الاستئناف.
فصل: والمستحب لمن فرغ من الوضوء أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله لما روى عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأحسن وضوءه ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله خالصاً من قلبه فتح الله له ثمانية أبواب الحنة يدخلها من أي باب شاء١" ويستحب أن يقول أيضاً سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك لما روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ وقال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم
١ رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ٤٦. النسائي في كتاب الطهارة ١٠٨. ابن ماجه في كتاب الجنائز باب ٥٧. الدارمي في كتاب المقدمة ١٩. أحمد في مسنده "٤/٩٤".